لن أتزوج أبدا !!
سألتها : ماالذي يدور في خلدك ياصغيرتي ؟ ولم هذا الرفض للحياة الجديدة ؟!
فأنتِ مازلتِ صغيرة وفي بداية حياتك الجميلة ، ومقبلة لبناء أسرة ومستقبل تتمناه كل فتاة في عمرك الربيعي ، وكنت موقنة أنك في هذه الأيام تتراقصين فرحاً ، تفاؤلًا بالحب والأمان والرومانسية والعاطفة المتدفقة ....
وللأسف صغيرتي !
أراكِ باكيةً حزينة شاحبة الوجه، وبجسدٍ ذابل ، فلماذا بالله عليكِ ؟!!!!!
قبل أن تُجيب يسبق صوتها دموع جرحت هذا الخدّ الوردي وقالت بصوت متقطع يكسوه الحزن :
أين الحب والقدوة والعاطفة والمسؤولية والأمان والصدق أين الذي تصفينه ؟؟!!!
وكيف أجد ذلك في رجل أراد الارتباط بي وقدفقدت الثقة بكل الرجال وأنا ابنة أب لايعرف شيئا عن جمال القدوة والمسؤولية والحب والحنان ؟؟!!
شاهدته وهو يعامل أمي معاملة خالية من المشاعر الإنسانية !!
عرفته أبا متسلطا ، يأمر فقط دون نقاش ...لم ألمس منه حنان الأبوة !
عاشت والدتى معه ، وكانت فتاة صغيرة طيبة مطيعة وطلباته أوامر ، دورها رغما عنها الاهتمام به فقط !
وبأموره بكل أنانية مفرطة !!
فاصبح هاجسها الوحيد البحث عن سعادته وتقديم كل مايريده بكافة الطُرق وعلى حسابها النفسي والمعنوي والاجتماعي .
حتى أصبح مع مرور الوقت محور اهتمامها .. لدرجة أنها أهملتنا - نحن أبناءها وبناتها - ..!!
رغم ذلك نتصنع التجاهل ولم نحزن أو نُشعرها ... بذلك لمعرفتنا بما تعاني منه من قسوته وإنكاره لها ولدورها البارز في المنزل ...
وبالمقابل لم نجد جميعاً منه سوى التجاهل واللامبالاة والاستهتار بطلباتنا واحتياجاتنا والعيش في خوف مستمر!!.
كان أملنا أن يتغير وللأسف زاد تسلطًا وقسوة وانقطع الأمل ، وأيقنا أنه لم ولن يتغير !
وكان أملنا مع ذلك اليأس الذي تملكنا أن يتراجع في تعامله القاسي نحو نا ولكن دون جدوى .؟!!
قسوته تزداد وعقابه يتجدد بل ويتفنن يوما بعد يوم في القسوة للأسف !! ، بالرغم أن والدتى تحاول مناقشته مرات ومرات وكل مرة يزداد في صلفه ويتعمد جرح أحاسيسها ومشاعرها ...بكلام جارح وبصوت عالٍ خالٍ من الحنان والأبوة الصادقة ..
يسب ويشتم !
فلم نعد نشعر أنه والدنا !! ... أو ذلك القدوة الذي يجب أن نفخر به ونتوسد صدره لننعم بالدفء والأمان ..
للأسف ! .
تقدم رجل يريد الزواج منى ... فوافق أبي دون الرجوع لي ، أو أخذ رأي أمي !
بل لم يكن لي رأي فيه .. وتجاهل حقي الشرعي .. وكأني جارية من جواريه ولست ابنته أو من صلبه !!
مرت أيام كثيرة وأنا أقول له : أبي نحن نحبك ونحترمك ارجع لنا وعاملنا بما ذكره الله ورسوله نحونا جميعاً ..
نحتاج الأبوة الصادقة ..
نشتاق لحنان وحب الأب ..
كم مرة قلتها صادقة : لانريد منه مالاً .. بل نريد أن يحترم وجودنا في حياته ، نحتاج أسرة يسودها الحب والاحترام والسعادة ....
لذا لا تستنكرين هذا الحزنِ في ملامحي !
كيف أفرح وأتفاءل وأنا لا أثق بالرجال ؟كيف أبني أسرة وأنا كتلة من الخوف من الحاضر ، والمجهول ؟
عشت الهوان .. وتغذيت الحرمان ..
وافتقدت جمال القدوة في الحياة والمشاعر !!
معاملة أبيِّ القاسية لأمي ولي ولأخوتي جعلتني محطمة ، مكسورة !
مات الحب والأمان والاستقرار بداخلي !فقدت الثقة في الرجال بسبب أبي !
ما فعله بِنَا جعلني أرى كل رجل نسخة من أبي .
فكيف أتزوج ؟!
كيف أتعامل مع شريك حياتي الذي فرضه علي والدي وهو من جعلني أعيش حياة القلق والتوتر والانتظار والقسوة والعذاب ؟!
كيف أتوقع الحب وأبي بطريقته وأنانيته حول كل شيء إلى كره !؟
أشعر أن أبي ظلم ذلك الرجل المسكين بالموافقة على زواجه مني ، كما ظلمني ! فالترسبات المؤسفة التي صنعها بنفس داخلي تجعل حياته وحياتي مستحيلة ..
فأنا لست إلا جثة جامدة لا تحمل من الأحاسيس العاطفية لأي رجل مهما كانت كمية طيبته ورجولته ..!
فقد قتل أبي في داخلى ذلك الرجل أياً كان ..!!
كنت أتمنى أن اتجاوز الذاكرة التي حفظت الكثير من الأحداث المؤسفة والسيئة في حياتي بما فعله في أمي الحبيبة وإخوتي ولكن عجزت ولا أستطيع نسيان كل ذلك .
في لحظات يأسي وألمي ، فكرت بعقلي لابقلبي وكان قراري ( لن أتزوج أبدًا ) أعذريني ..
فمبرراتي سنوات ألم ومعاناة ترسبت. في قلبي وعقلي ..
دعيني أسد ثغرات النقص والحرمان بداخلي أولا لأخطو بتفاؤل نحو حياة جديدة .
لم أتمالك نفسي ..
كان ردي دموعا منهمرة على وجنتي ..
أحسست بألمها ..
برفضها ..
وتساءلت بيني وبين نفسي : لم لا يدرك كل أب أنه القدوة .. ؟
لأبنائه وبناته ..
لم لا يدرك كل أب أن مفتاح الحياة لأبنائه وبناته بيده ..
بسلوكه ومشاعره وتعامله سيقبلون على الحياة أو يكرهونها ..
هذه حقيقة ..
ليت كل الآباء يفهمونها....