المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأربعاء 24 أبريل 2024
د.ابراهيم عباس نــَـتــّو
د.ابراهيم عباس نــَـتــّو

عن د.ابراهيم عباس نــَـتــّو

عميدسابق بجامعة البترول.

غــَداةَ فـــَقدْيَ الزِّمام في أمستردام!


في 1995م، سافرتُ من البحرين إلى اليابان لكن عن طريق أمستردام، هولندا. و لكن بــُعيدَ انتهاء زيارتي حدثت لي حادثة مذهلة و أنا على متن القطار من البلد إلى المطار حين سُرِقتْ مني حقيبةٌ بطريقة قريبة من السحر من أمامي و أنا جالس على مقعدي في مقصورة في الدرجة الأولى بذلك القطار.. و انا في طريقي للسفر إلى طوكيو!

لقد تركتْ تلك الحادثة في نفسي تبــِعات كابوسية و ضربة صادمة قاصمة، حيثُ فقدتُ جواز سفري و بطاقاتي و فلوسي.. و كاميرا غالية؛ و عانيتُ من سلسلة من الآلام بقت آثارُها في مخيلتي مستمرة لمدة طويلة.. في نوع من حالة الصدمة النفسية، *trauma!

كانت تلك الحقيبةُ حقيبةَ-يد من الحجم الكبير، و بها محفطة فيها عدد من البطاقات منها الهوية و الإتمانية و نحوهما، إضافةََ إلى عدد من اغراضي الشخصية الهامة، شملت جواز سفري و كاميرا غالية، و نسخة من أحد كتب عبدالله القصيمي (الكونُ يُحاكمُ الإله)، و أيضاَ نسخة من احد كتبي (الإدارة التربوية في البحرين) و كذلك كان عدد آخر من المحتويات، شملت محفظة بها مبلغٌ لا بأس به من نقودي.

ثم تعرضتُ لعدد من مختلف المواقف و المفاجآت و انواع المعاناة في مطار سخيبول/أمستردام ثم في مدينة لاهاي (العاصمة)، حيث سعيت للحصول على جواز سفر بديل من سفارتنا هناك؛ (و كانت تلك حكاية بذاتها)!

و كان أن بدأ مشوار رحلتي الزاخرة هذه بأني كنتُ قد حجزت تذكرة سفر جويـّة لرحلة خلال صيف 1995م على الخطوط الملكية هولندية/ KLM.. و هي التي كانت قد أعلنت عن عدد من التذاكر بتخفيض كبير وصل إلى30٪ بشرط شرائها قبل موعد الرحلة بثلاثة شهور، و تكون غير قابلة للإلغاء و لا الاسترجاع!
(اكتشفت فيما بعد سرَّ ذلك العرض الفريد في تلك الأيام، فاكتشفتُ ان KLM، ضمن حذق و (شطارة) و 'حــِرْص' الهولنديين.. أنهم كانوا قد وجدوا ان عدداََ من رحلاتهم حول العالم تقلع طائراتها و بها 10 إلى 15 من المقاعد خالية؛ فكان اختراعهم في تلك الأيام انهم اقدموا على تقديم عروض كهذه.. كانت فريدة في وقتها؛ و بذا حصلوا على مدخول مالي كانوا سيفقدونه في كل رحلة من تلك الرحلات. فبهذا الترتيب تـَسعدُ الشركة و زبائنها المسافرون؛ و 'يطلع الكل كسبان'!

لكن، ما كان حتى طرأ بخلدي ما كان سيحدث لي (بُعيد) انقضاء فترة مكوثي الجميلة في أمستردام، حيث حدثت لي حزمة من عجائب الأيام..و معها الكثير من الآلام!

*في مدينة أمستردام الساحرة قضيتُ عِدّة ايام زاخرة باهرة في زيارات و رحلات داخل المدينة و خارجها، كالمتحف الوطني الكبير/ الرِّخستاگ، بما يشمل أعمال للفنان الهولندي الشهير رامبرانت؛ و كذلك متحف الفنان العالمي Van Gogh. (و لقد علمتُ ان في أمستردام وحدها ما لا يقل عن 100 متحفاََ في حيّز دائرة لا يزيد قـُطرها عن 1000م!!)

*و اشتركت في عدة رحلات، كانت منها رحلة ريفية شملت بعض مزارع هولندا بلد الألبان و أنواع الأجبان (منها جبن گاودا Gowda الشهير)؛ و كذلك إلى منطقة بها عدد من الطواحين الهوائية الشهيرة.
مع التنويه هنا إلى أن جل اراضي تلك المناطق كانت مستصلحة/مختلقة، و ذلك بعد دفن أجزاء كبيرة من البحر لزيادة مساحة ارض تلك المملكة الصغيرة حجماََ، الكبيرة أداءََ!

*و في تلك الحقبة الزمنية كان بهولندا أكبر و أجمل مطار: مطار اسخيبول Schiphol، (و فهمتُ أن معناه الأصلي: حفرة القوارب و السواعي و السفن؛ فلعله كان حوضاََ لإصلاح السفن!

*و في هولندا مرفأ 'روتردام'، اكبر ميناء في العالم.. و عدد و لا يحصى من هذا و ذلك و ذاك من الانجازات الإنشائية التنموية الجبّارة و المتميزة على مستوى العالم! فكان هناك مثال انشاء كبري المحبة/جسر السعودية-البحرين، الذي شيدته شركة نيدام-بالاست الهولندية لصالح المملكة العربية السعودية.. في النصف الثاني من ثمانينات القرن٢٠، بتكلفة قاربت الألف مليون ريالاََ سعودياَ!

*و هناك موانئ هولندية قدمت خدمة عظيمة لعموم المناطق المحيطة، بل و الدول المجاورة.. و خاصة عبر استغلال نهر الراين، الشريان الملاحي و السياحي الحيوي عبر ألمانيا و ما وراها في انحاء أوربا. بل كانت هولندا بمثابة (البقالة الكبرى) لخدمة جلّ القارة الأوربية.. و خاصة في مجالات إلاستيراد و التصدير، فشمل ذلك مجمل منتجات إندونيسيا من أنحاء جُزرها الـ14000! و هي التي كانت مستعمرة هولندية لحوالي 400 سنة!!

*و فيما وراء سِمات و عجائب مدينة امستردام (اللفظة تعني: سد او جسر النجمة)، و فيما عدا الشبكة المائية للمواصلات و السياحة عبر قنواتها الشهيرة؛ و عدا مزاراتها العديدة و مطاعمها المتميزة و العالمية.. بما فيها المقاهي و منها ما تميز في تلك الأيام بتقديم انواع خاصة من القهوة و معها 'كعكات الفضاء'/Space-Cakes.. المؤثرة على ذهن المرء و على أحاسيسه!

*و لكن، الذي بهرني كانت مشاهدتي ذات ليلة حين خرجتُ من الفندق حوالي منتصف الليل.. و فوجئت برؤية فريق من عُمال و أجهزة البلدية و هم يقومون بغسل الشوارع و الميادين بمواد سائلة و ذات رغوة صابونية لعلها جمعت بين الماء و ما يشبه الديتول من المُطهرات، و ذلك بضخــّها في خراطيم شديدة الدفق، و بينما فرشات ضخمة تديرها مُحركات على عربات ضخمة.. و بذا يتم تنظيف الشوارع ليلياََ تهيأةََ ليوم العمل التالي! (و لا يزال تأثير هذه المناظر و تلك التجارب في ذهني منذ أكثر من ربع قرن!)

*و كانت (بداية) فقد زمامي مع قرب انتهاء فترة بقائي في أمستردام، و تحديداََ عند إجراءات مغادرتي الفندق، حين كان قد فاجأني موظف المكتب بـ(مـَـنحي) تذكرة درجة أولى على رحلة القطار من البلد إلى المطار. (ربما كان وراء ذلك 'الكرم' ما وراءه.. فكان موظف استقبال الفندق ضِمن ثالوثِ حادث السرقة، مع شخصين قاما بسرقة حقيبتي في حادث تعرضتُ له على متن القطار.. (كما و لقد كان من خلفية كلا الشخصين بالقطار.. من نفس الخلفية الشمال افريقية!)

*لكن، عليّ أن اوجـّه الملامة إلى نفسي! فلقد كان من (اغلاطي) في جل سفراتي السابقة و في هذه الرحلة.. أني:-
1. كنتُ احملُ معي أكثر من حقيبة (واحدة كبيرة جداََ، ثم حقيبة يد كبيرة أيضاََ!)؛
2) أَنّ عدداََ من سفراتي كانت إفرادية، دون رفيق او نديم يتشارك معي وعثاءَ السفر!
3) أني ما كان من عادتي ارتداء مِعطف -و بخاصة خلال سفرات الصيف- فأستفيدُ من جيوبه الخارجية و الداخلية؛
4. و من أخطائي أني ما كنتُ ارتدي صـَدرية متعددة الجيوب.. و خاصة من النوع العملي
الذي صار ملازماََ لي (منذ تلك الحادثة الأليم! و أصبحَ جزءاََ من مظهري أثناء أي سفرة لي) !

أتناء جلوسي في مقعدي، مباشرةً بعد ولوجي مقصورة بالدرجة الأولى بالقطار المتجه من محطة البلد إلى المطار.. كنتُ قد لمحتُ شاباَ بقرب النافذة و (كأنــّه) نائم.

*و -أيضاَ- قبيل تحرّكِ القطار، جاءني شاب آخر يشبهه في سماته الشمال أفريقية، و سألني و بيده تذكرة سفر لكنها من الدرجة (الثانية)، فاستدرتُ إلى. خلفي من جهة اليمين لأشير اليه بالتوجه إلى الجهة الأخرى.. نحو موقعِ درجة الركوب الصحيحة، الثانية. و لكن العجيب أنّ -في جزءٍ من الثانية- اختفت حقيبة اليد رغم كونها أمامي مباشرة و فوق الحقيبة الكبيرة، و كانتا و كأنــّهما ملاصقتان لركبتيّ! (و مع اختفاء حقيبتي اختفى -أيضاَ- الشاب المتناوم الذي كان في نفس المقصورة.. قــُربَ النافذة!)

*نتيجة صعقة تلك السرقة.. قمتُ و انا مشدوهٌ مصدوم.. لا الوي على شيء؛ و لا من يسعفني و لا من يسندني.

*و لكن، في الممر خارج المقصورة التي كنت فيها صادفتُ مأمور أمن القطار الذي كان ماراََ في تلك اللحظة أثناء قيامه بمهامه الأمنية؛ فبلــّغــته بما حصل؛ فقام بدوره بتبليغ الجهة المعنية.. باستخدام هاتف محمول ضخم، ثم أخبرني أنه بإمكاني تبليغ شرطة المطار حالَ وصول القطار اليه؛ و كان هذا كل ما كان بإمكانه عمله.

*مكثت في مقعدي مشدوهاََ و أضرب اخماساََ في اسداس. و لكن حالَ وصولي المطار استفسرتُ أولاَ عن موضع مكتب (الأميرِكان إكسبرس) و ذلك للتبليغ عن سرقة بطاقتي الإتمانية. و كان موقعهم قريباَ من مركز شرطة المطار.

*في مركز شرطة المطار، اذكرُ اني قضيتُ وقتاَ وجــِلاََ و ليس قصيراََ، لكني خرجت من عندهم بتقرير مكتوب مفصلٍ بالهولندية، فحفظته عندي لغرض تقديمه إلى السفارة السعودية. (علمتُ توّها ان السفارات في هولندا تقيم بمدينة لاهاي، فهي العاصمة!

*و سعدتُ جداَ بأنه في ظرف أقل من ساعة سلـّمني مكتب بطاقات الأميرِكان إكسبرس بطاقةََ جديدة.. بديلة عن المسروق.. فكانت هي طوق النجاة الوحيد.. على الأقل للأربع و عشرين ساعة التالية المحفوفة بالغموض و الخوف و الاضطراب!

و لعله غنيٌ عن القول أن مأزقي في تلك الظهيرة كان محفوفاَ بتفكيري بأني في حالة ضياع مُركــّبة شملت وقوع سرقة جواز سفري -و هو اثباتُ هُويّتي، و بطاقة إئتماني و هي كينونتي المالية الحياتية. و باختصار: كنت في حال أسوأ من حال المـُشرٌد و ما يشبه اللاجئ دون لجوء: فكنتُ إنساناََ ضائعاََ و بدون أي هــُويـّة!

و إني لأعجب كيف أني -طيلة فترة تلك الظهيرة ثم كامل المساء و معها أثناء مرحلة ركوب القطار إلى مدينة لاهاي (بل و خلالَ سكناي في فندق هناك؛ ثم مُضىّ بقية الخميس/ليلة الجمعة، آخر يوم عمل من الأسبوع؛ (و فترة وصولي إلى السفارة و تفاعلي و تواصلي معها طيلة الصباح)- كيف.. كيف أن حظي كان كبيراَ لأني لم اضطر لمواجهة أي مساءلة من اي جهة عن هويتي.كينونتي و أساس وجودي كغريبٍ تائهٍ في تلك البلاد!

*اتصلتُ من مطار أمستردام على جوالي (نوكيا) بالسيد تارومي Tarumi، صديقي الياباني و معلمي في اللغة اليابانية.. و هو الذي كان سيكون في انتظاري في صباح اليوم التالي بمطارٍ قرب طوكيو في إمبراطورية اليابان؛ فكان سيقوم باستقبالي في مطار هانيدا Haneda في محافظة Chiba. و كان غرض اتصالي به ذلك في خضم معمعة تلك اللحظة هو لأخباره بعدم إمكان وصولي في الساعة المقررة سلفاَ من الصباح التالي؛ بل و عن عدم تأكـُّدي عن موعد وصولي الجديد إلى اليابان!

*و حل وقت الغداء، فتوجـّهتُ إلى مطعم قريب في المطار.. و حدثت مفاجأة عن الآنسة المحاسِبة (الكاشييرة) أنها اعتذرت عن قبول بطاقتي الإتمانية.. و صُعقتُ للحظة، إلاّ أنها أوضحتْ لي -في رِقة و حــُنوّ- بأن الحد الأدنى للشراء بالبطاقة هو 25 گـِلدَر Gilder؛ و كان كاملُ مشترياتي في حدود 19 (.. رغم اني اخذتُ كميات ليست قليلة،؛ شملت اكبرَ سلطة و طبـَقاََ وافراََ من الوجبات الرئيسة المتكاملة. كما و لم استبعد طبقا َ من الحلى، و لا قارورة من المشروبات. لكن (الكاشييرة) عطفت عليّ و تعاطفت معي بعد شرحٍ مقتضبٍ مِني عما حصل لي على القطار.. و أيضاَ بعد تبيان اني مسافر لوحدي و كما يظهر من الأطباق أني ما تركت مُكوناََ من الغداء إلاّ و شملته.. في صينية/تـِبسي مشترياتي! فما كان من تلك (الكاشييرة) اليافعة إلاّ أنها استثنتْ حالتي و اتخذتْ القرار بالقبول!
بعدها، توجهت نحو استوديو لأعدَّ صوراََ لاستعمالها اثناء إستصدار الجواز البديل في السفارة السعودية في مدينة لاهاي.

*لكن مفاجأة كبرى كانت تنتظرني و انا لم ازل في المطار.. و ذلك عند توجـُّهي الى مكتب القطار لقطع تذاكر-مرجـَّعة إلى لاهاي.. فعند شبّاك التذاكر ووجهتُ بقولهم انهم لا يقبلون البطاقات الإتمانية، و انهم يتعاملون فقط بالنقد (المحلي او الأجنبي)؛ فأسقطَ في يدي، لكن بمحض الصدفة المقاربة للسِّحر، وجدتُ في ثنية من ثنايا ملابسي ورقة نقدية من فئة الـ 100$؛ و كانت قيمة تذكرة القطار أقل.. في حدود 69 گيلدر Gilder، فتنفــّستُ الصُّعــَداء.. و توجهتُ إلى القطار إلى لاهاي؛ و كنت قد حجزتُ غرفة بفندق بالقرب من السفارة هناك.

*وصلت إلى الفندق في لاهاي بعد غروب الشمس، فقضيت ليلتي فيه و توجّهتُ في صباح اليوم التالي (الجمعة) إلى السفارة، حيث واجهت مفاجأة مركــّبة هناك؛ فلقد قابلني القنصل او من هو في حكمه، فأجرىَ معي 'استفسارات' مُطوّلة، فأخبرته بتفاصيل ما حدث لي على القطار بين أمستردام و مطارها، و قدّمتُ اليه تقرير شرطة مطار امستردام.. فما كان منه إلاّ أن طلب مني وثيقة-هوية؛ فشرحتُ له -و انا رابطٌ جأشي- ان سبب مجيئي أصلاََ للسفارة في لاهاي بعد سفري من أمستردام-، كان ضياع، بل (سرقة)، جواز سفري/.. هُويـّتي الأساسية في كامل سفرتي، و أوضحتُ له أن بقية اغراضي و كامل أوراقي كانت في الحقيبة التي كانت قد سُرقت مني هناك.. في قطار البلد-المطار!

و لكن لمعتْ بذهني فكرةُ ان نسخة من كتاب منشور لي كان بالفندق في حقيبتي الكبيرة، و عنــّت لي فكرة استخدامه كمؤشر إلى هويتي (حيث أن الغلاف الخلفي من الكتاب يحمل موجزاََ كاملاَ لنبذةٍ عن حياتي منذ ولادتي في حارتنا بمكة المكرمة. و أيضاَ كانت صورة ملونة لي على أعلى تلك النبذة(!) و نجحت في اقناع ذلك ذلك المسؤول و خرجتْ من السفارة إلى الفندق لإحضار ذلك الكتاب..الذي ساهمَ في آن يكون مُنقذي و مُخلــِّصي!

و عند عودتي من الفندق إلى مبنى السفارة وجدتُ ذلك المسؤول و معه مساعدٌ عربي مقيم هناك، و كانا قد اعدا تقريراَ موجزاَ عن حالتي.. (لكنه أيضاَ اشير فيه إلى غرامة بمقدار 1000﷼.. بسبب فقداني جوازي(!) فأوضحتُ للمسؤول أن ليس لديّ أي مبلغ نقدي؛ فأجاب بأني سأُطالَبُ بالألف ريال عند عودتي للبلد!
فسبحنتُ و حَوْقلتُ و سرعان ما غادرت. و لكن في يدي 'تذكرة مرور Laissez Passer (و ليس جواز سفر)؛ و هذا يعني -كالمسمى: لغرض المرور فقط من خلال مطار أمستردام إلى السعودية.. مع اني طلبتُ من المسؤول منحي جواز سفر بدلاَ عن الذي فقدته..حتى أواصل رحلتي لليابان التي أُجهضها حادث السرقة امس؛ فسألني: هل توجُهك لليابان في مؤتمر او مهمة رسمية، فأجبته بالنفي، و أن زيارتي لليابان هي خاصة و سياحية.. فأصرَّ على اصدار تذكرة مرور/Laissez Passer فقط.

*بعد خروجي من السفارة، و كان يومه الجمعة، توجهّتُ إلى َمكتب سفريات و حجزت تذكرة سفر لرحلة تغادر أمستردام (يوم الاثنين.. مباشرة عقب نهاية الأسبوع.. إلى جدة (ََ.. لكنها) تمرُّ على دولة البحرين ..حيث اقيمُ و اسكنُ و لي أملاك.. و أيضاَ أقومُ بالتدريس بجامعتها!

*لكن حصلتْ لي مفاجأة أيضاَ عند وصولي مطار البحرين فلقد ووجهتُ بموقف فريد حدث لي لأول مرة في ذلك المطار، و ذلك عند إشارة احد الموظفين إلى لزوم مغادرتي و مواصلة السفر إلى جدة.. (حرفياََ، كان ذلك بناءََ على حملي مجرد'تذكرة مرور')! فدخلتُ في فترة من النقاش مع ذلك الموظف المسؤول في المطار، فشرحتُ له وضعي الرسمي الحقيقي، و عن كينونتي في البحرين مِثل العمل و التملـّك و الإقاَمة (فضلاََ عن قيامي بالتدريس بجامعة البحرين).
و بعد فترة طال انتظاري فيها، تم ختم تذكرة المرور (لكن) بـ(تأشيرة دخول)..هكذا! و كانت قيمة التأشيرة 5 دنانير بحرينية.. كانت في شكل طوابع-دمغة تمّ إلصاقـُها في صفحة متقدمة في 'تذكرة المرور' تلك!

*و بذا وَلجــْتُ دولة البحرين، فخرجت من مبنى المطار في المحرَّق.. متجهاََ إلى سُكناي في (فِلـَّتي) في محافظة الرِّفاع. (و لو أني لا أذكر الآن كيف دفعتُ مبلغ لتأشيرة الدخول للبحرين أو تكلفة أجرة التاكسي من مطار البحرين إلى منطقة الرفاعِّ.. و لكن لعلـِّي كان معي مبلغ كنت قد صرفته بالدولار و كنتُ قد سحبته ببطاقة الأميرِكان إكسبرس أثناء وجودي في مدينة لاهاي الهولندية.. (او انها من بقية المئة دولار التي كنت قد استخدمتها لشراء تذكرة القطار من أمستردام إلى لاهاي.)

*و واصلتُ سَيرورة حياتي في البحرين خلال بقية الصيف بعد أن اشعرتُ مساعد السفير في البحرين بموجز ما حصل لي. (و كان جوابه ان عليّ أن اذهب الى المملكة لاستصدار جواز سفر بديل عن الذي فقدته في أمستردام). لكني قرَّرتُ البقاء في البحرين، خاصة و أني احتاج للتجهيز لمعاودة عملي في الجامعة مع قرب بدء العام الدراسي الجديد. في الأثناء، كان معالي السفير في إجازة؛ لكن عند عودته، و أثناء حضوري أمسية الثلاثاء الأسبوعية في ديوانية السفارة بالبحرين (التي كان السفير السالف د.غازي عبدالرحمان القصيبي قد استنّها لنا السعوديين المقيمين و كذلك ساكنيها العاملين في الخبر و الدمام بالمنطقة الشرقية من السعودية.. و كان التعداد بعامة
في ايامي هناك قد تجاوز الثلاثة آلاف سعودي!

*في إحدى أمسيات تلك 'الديوانيةََ' قدّمتُ إلى السفير عبدالله السديري -و نحن على طاولة العشاء- طلباََ خطياََ لإصدار جواز (من السفارة)، فلبَّى معاليه طلبي فوراَ.

*و بهذا انتهى مسلسل محنتي التي بدأت بكارثة سرقة جواز سفري في هولندا؛ و واصلتُ عملي في الجامعة كالمعتاد.

*و لكن، و بُعيدَ بداية الفصل الثاني من السنة الجامعية 1996م، فكرّتُ و نفّذتُ فكرة معاودة القيام بالحجز لرحلة جديدة -مرة أخرى إلى اليابان، بديلة عن التي تم وأدُها في الصيف السابق، فاستصدرتُ تذكرة جديدة مطابقة لسالفتها؛ بل و كانت هذه الرحلة -مرة أخرى- على نفس الخطوط الهولندية KLM. لكني بعد وصولي هذه المرة ما حتى غادرتُ مبنى مطار أمستردام.. بل قضيتُ ليلةََ (ترانزيت) في احد فنادق المطار ذاته.. ثم واصلتُ رحلتي في صباح اليوم التالي.
*و لا بـُــدَّ من طوكيو و لو طالَ الزمن!*
 0  0  13.9K