هذا صديقي
دلع المفتي :
تفرح لأصدقائك، إن تزوج ابن صديق تهلل له وتقف معه مباركا ومهنئا ومساعدا، إن ترقت صديقة في عملها تفرح بتفوقها، إن أصدر صديق كتاباً فرحت بإنجازه وكأنه إنجازك. إن فازت صديقة بجائزة شعرت أن الجائزة لك، إن أقيمت مناسبة لأحد من الأصدقاء ركضت بكل ما أوتيت من حب لتدعمه وتقف معه. تستعير أجنحة تطير بها كي يرى الناس إنجاز أصدقائك وتقف بكل فخر لتقول: «هذا صديقي». لكن ولسبب ما، وعندما تحتاج ريشة واحدة كي تساعدك على الطيران، تلتفت لتجد نفسك بلا اجنحة.
أحيانا يتداخل الخاص مع العام، ولا بأس بين الحين والحين أن نشكو بؤسنا الخاص ككتّاب، الذي لا يختلف كثيراً عما لو كنا طباخين او مدرسين او بلا عمل، وأعني في ذلك حالة التعاطف المفقودة بين أبناء المهنة الواحدة، رغم وحدة الظروف ووحدة الشكوى حول المداهنة التي صارت سمة شائعة في عالم الكتابة. فما الذي يمنع صديقا وأديبا، وله كامل الحرية في النشر، أن يكتب وينشر ما يهمسه لك سرا في أذنك؟ لماذا يستكثر هؤلاء الكلمة الطيبة بحق صديقهم الذي لطالما تفرغ لخدمتهم وكرس جهده للاهتمام بهم ونشر أعمالهم؟
حول هذا الموضوع تدور أحاديث كثيرة، فالكل يعتب والكل يعاتب، بحيث نتبادل الادوار بين الجاني والمجني عليه بعدالة شديدة. فحالة الشللية التي تطفو على أرواح المثقفين، تسعى وبوتيرة واحدة إلى تكريس المكرس ونفخ المنفوخ، ونتف ريش المنتوف أصلا. يهرولون نحو ذلك الكاتب الكبير بأعرافهم والمشهور بنظرهم من المطار إلى تغريدة على تويتر، لكنهم مع صديقهم الواعد يضغطون على أنفسهم لإرسال إيميل أو رسالة هاتفية «جبر خاطر» وسرا، حتى لا يسمعهم أحد. هؤلاء هم زملاء المهنة وأهل الدار، يسرقون فرحتك وحتى حزنك وهمومك. يتخلون عن أبسط مبادئ الأدب الذي يتباكون عليه في كل جلساتهم.
على الجانب الآخر، تكرس جهدك ووقتك ونشاطك في صحيفة تكتب فيها لسنوات، معتبرا إياها منزلك ومنبرك، تبذل فيها تطوعا من أجل تقدمها، تقطع آلاف الأميال في سبيل إهدائها موضوعا مهما، تجري لقاءات مع شخصيات فعالة دون طلب، تذهب لأشد المواقع خطرا لتجري تحقيقا مهما، وعندما توضع الأمور على المحك تجدها آخر من يشاطرك هذا الحب، وآخر من يبادلك الود، ولا حتى تتطوع لتشد أزرك في محنتك.
انه فعلا لأمر مخجل، ولا أعطيه أكثر مما يستحق وأسميه محزناً. لكنها الأيام ستدور، ومحكمة الأيام، كما تسمى، ستفرز الصالح من الطالح، وستبقى الأعمال الصادقة حية بمرور الزمن، فهي لا تحتاج مجاملة من هذا ولا إطراء من ذاك. فالعمل المخلص النابع من القلب سيبقى في قلوب الناس ولن يتأثر بنفاق «المثقفين».
وإن لم تجد من يقف فخورا ليقول لك «هذا صديقي»، فدع منجزك، وبكل فخر يكن صديقك.
***