الإعلام العربي.. واقع ينتظر التغيير
إن المتأمل في وضع الاعلام العربي بشقيه الحكومي والخاص يلاحظ أن المحتوى الإعلامي لم يعد يقدم أي ماده ثرية تزيد من الوعي والثقافة لدى المتلقي العربي البسيط.
إن ما يوصف بوسائل الإعلام الكبيرة أو الامبراطوريات الإعلامية في الوطن العربي لا تقدم الا الترفيه المستنسخ من الغرب، والذي لا يتجاوز كونه ترفيه آني أو موسمي ويعتمد بشكل كبير على الترفيه الفني فقط .
ولعل برامج تلفزيون الواقع التي تلقى شعبية كبيرة مثال على تراجع مستوى ما يقدمه الإعلام العربي اليوم، فتلفزيون الواقع يخاطر بتقدم محتوىً لا يخضع لأي شكل من أشكال الرقابة الأخلاقية، فكثير من هذه البرامج هو نسخة عربية للنسخة الغربية من البرنامج، وهو الأمر الذي يفسر كون طبيعة هذه البرامج في مجملها لا يناسب المجتمع العربي.
فالتعامل المفتوح بين الجنسين، والبعد الإعلاني التجاري الذي تقوم عليه هذه البرامج، والذي يساهم في شعور الشباب والمراهقين بطموحات لا يمكن تحقيقها، تتعلق بالجمال والشهرة والمال الذي يكفي لشراء أحدث الأجهزة التكنولوجية و الماركات العالمية واتباع أسلوب حياة عالمي، يجعل نصيب الشباب من ذلك كله الإحباط والاكتئاب وربما الوقوع في فخ الرغبة في كسب المال بأي طريقة.
مع التأكيد على حقيقة أن الفكرة التي يقوم عليها تلفزيون الواقع محل نقاش دائم بين المفكرين الغربيين أنفسهم، فهم يعتبرونه شكلاً من أشكال بيع الوهم، ويروج للحريات المطلقة وعدم الالتزام بأدب الخصوصية، كما يتناولون الجانب الإعلاني الخفي الذي يتسرب داخله بهدوء بغرض تحقيق الأرباح للجهات المعلنة والراعية لتلك البرامج، ودون الرجوع لتلك الآراء والمشكلات قام الإعلام العربي باستنساخ تلك الفكرة بكل سلبياتها ليملأ بها جدول برامجه الخالي من المحتوى العميق والمفيد.
فقد تناولت دراسة عربية عن ( تلفزيون الواقع وعلاقته بنشر الثقافة الاستهلاكية بين شباب الجامعات) كيف أن الإعلام أصبح يقدم ما يطلبه المشاهدون، مهما كان ذلك ساذجاً و سطحياً، وذلك بدلاً من أداء دوره الحقيقي في التوعية والتنوير، وربطت الدراسة بين برامج الواقع وزيادة الاستهلاك العشوائي بين الشباب، حيث تقوم الأسواق بطرح أشياء جديدة ليست من ضمن الاحتياجات الأساسية للشباب، ولكنهم يقبلون على شرائها تأثراً بالأفراد الذين يشاهدونهم في برامج الواقع، ثم لا تلبث هذه الأشياء أن تصبح جزءاً من حياة الشباب ومورداً جيداً للدخل للجهات المصنعة، رغم أن هذه الأشياء استحدثت من لا شيء!
وأظهرت الدراسة التي أجريت على أربعمائة شاب جامعي ما بين 18 عاماً و 25 عاماً، أن هناك علاقة معتمدة إحصائياً بين متابعة الشباب لبرامج تلفزيون الواقع وتبنيهم للسلوك الاستهلاكي في مختلف جوانب حياتهم، خصوصاً ما يتعلق بمشتركي تلك البرامج وما يصدرونه من أغانٍ وما يجرونه من مقابلات، وأنماط حياتهم في الأزياء والتجميل والمأكولات.
لقد فشل الإعلام العربي في مخاطبة الرأي العام والتأثير عليه وأصبح غائباً عن المشهد الدولي. فالكثير من الصحفيين يميلون للاعتماد على وكالات الأنباء الغربية حتى في الحصول على مستجدات الأوضاع في الشؤون العربية الداخلية لعدم ثقتهم في ما تقدمه وكالات الأنباء العربية، والتي لا تعمل على تطوير إمكانياتها وإمكانيات كوادرها الإعلامية بما يواكب العصر.
فعندما سئل مائة شخص من عينة تشمل قادة سياسيين وأساتذة جامعات ومفكرين وباحثين وعلماء عن اقتناعهم بصدق واحترافية ما يقدم على وسائل الإعلام العربية جاءت النتيجة بأن 62% منهم يرى أن المحتوى الإعلامي العربي يفتقر للدقة ويعاني من تضارب البيانات والمعلومات، ولذلك كانت نسبة 46% منهم تعتمد على الصحف الأجنبية في متابعة الأخبار اليومية والمستجدات السياسية.
نظرة عن قرب لواقع الصحفيين :
أصبح من المعتاد أن نجد الصحفي يمارس عملاً مختلفاً في الصباح، و بعد انتهاء ساعات عمله الرسمي يذهب إلى الصحيفة لممارسة عمله الصحفي. وذلك في محاولة لتوفير الدخل الذي يغطي متطلبات الحياة، فرغم محبته وولائه لمهنته الإعلامية إلا أنه لا يستطيع التفرغ لها لضعف العائد منها، ولعدم شعوره بالأمان في مجال لا يوفر الكثير من الحماية لأفراده، وربما يفقد فرصة العمل فيه في أي لحظه.
إضافة إلى أن الصحفيين المتخصصين أصبحوا يخوضون منافسة مع غير المتخصصين الذين يصبحون كل يوم جزءاً من المجال بحثا عن الوجاهة الاجتماعية والتأثير على الرأي العام، وعادة ما يحصل هؤلاء على فرصة دخول المجال من خلال علاقاتهم، في الوقت الذي لا يجد فيه خريج الاعلام والمتدرب مكانا للعمل، مما يزيد الضغط على الإعلاميين ويجعلهم قلقين من فقدان أعمالهم.
إن من أولى خطوات التغيير والتطوير هو أن تبدأ المؤسسات الصحفية باستقطاب وتوظيف صحفيين متفرغين تماما للعمل الصحفي، مع تأمين لاحتياجاتهم المادية، وسن القوانين المتعلقة بحرية التعبير حتى يكونوا أكثر جرأة بعد حماية القانون لهم من التعرض لأي أذى من قبل الحكومات عند أدائهم لعملهم الصحفي.
ففي قانون الولايات المتحدة بنود خاصة بالحقوق الأمنية للصحفيين والمراسلين، والتي تتمثل في عدم تعريضهم لأي ضغوط أو إلزام بالكشف عن مصادرهم، وأن لا تتم الاستعانة بهم إلا بعد استنفاد جميع الخيارات الأخرى الممكنة، ومثل هذا التشريع يجعل الصحفي أكثر حرية في تقديم الضمانات لمصادره ليقوموا بتوفير المعلومات الحقيقية والحديثة التي يستلزمها العمل الإعلامي الاحترافي.
فبدلاً من تقليد المحتوى الإعلامي والذي يرجع في كثير من تفاصيله لثقافة المجتمع وطبيعته، مثل هذا القانون و بما يوفره من تنظيم وحماية لمهنة الصحافة وحقوق الصحفيين لهو ما ينبغي الاقتداء به وتطبيقه في العالم العربي، سعياً لواقع أفضل للإعلام العربي.