استهلاك أخ
*
من نعم الله على الانسان أن يرزق بأخٍ صادقً صدوق، ومحبً ومود، يأنسه عن وحشة الدنيا ومتاعبها، ويعين على نوائب الزمان واقداره،*وهو الصادق الوفي وقت الحاجة، ذلك هو الأخ الذي لا تحلوا الحياة إلا به، كيف لا وهو القريب في الأفراح والسند في الأتراح.
*
ذلك الأخ وهو الشريك في رحم الأم ولبنها، وهو الشريك في الاسم والشكل، وهو الشريك في المدرسة والتربية، ولعل صورة حب الأخ تتجلى في ابيات دريد بن الصمة حين قال:
أخ أرضعتني أمه بلبانها
بثدي صفاء بيننا لم يجدد
فجئت إليه والرماح تنوشه
كوقع الصياصي في النسيج الممدد
*
كذلك في ابيات الخنساء حينما ترثي اخاها صخر:
ألا يا صخر لا أنساك حتى*
أفارق مهجتي ويشق رمسي
يذكرني طلوع الشمس صخراً
وأذكره بكل مغيب شمس
*
ذلك هو الأخ الذي تضرب به الأمثال على صدق المحبة والصدق وصفائها، فقيل (رب أخ لم تلده أمي)، وقيل في وصف أعلى درجات الصداقة (كأننا إخوة).*
*
وللأسف الشديد كثير من الناس لا يعي مفهوم الاخوة الصادقة، فتجده لا يعرف أخاه إلا عند الكوارث والمصائب، إما في سداد دين أو قضاء حاجة أو مصيبةٍ أقترفها بنفسه لجر عواقبها الوخيمة على رأس أخاه، يناشده بحق الأب والأم والأخوة أن لا يتركه وحيداً غريقاً لظلمات الايام وقهر الرجال.*
وإذا استقام له الأمر ضرب بصنيع ابن أمه وأباه عرض الحائط،*منكراً معروفه وحسن جميله كأن لم يشاركه مر الأيام واحزانها، ومن المحزن والمخزي إن أصابته سراء أعرض ونأى بنفسه عن أخيه ولم يثمر فيه لبن الأخوة شيئا، وكأن لسان حال الأخ (شريك المصائب فقط).
*
ذلك المعنى الهمجي والجاهلي عند البعض هو استهلاك الأخ وإنهاكه بما لا طاقة له به عند النوازل والكرب، وفي أوقات الرخاء تجده يطلق عليه نظرات الازدراء والزجر ويرميه بسهام الكلام الجارح، منكراً فضله وصنائع معروفه، وكأن جميل القول محرماً على الأخ، فالأخ لم يخلق فقط عند الشدائد والمحن.
*
حذاري من أن تستهلكوا إخوانكم بكثرة العتاب واللوم، وكثرة الواجبات وتعدد الطلبات، فالنفس البشرية ضعيفة، تحب الكلمة الطيبة والفعل الحسن، كما أنها لا تحتمل القبيح من القول والعمل، كارهةً الظلم والجور، ولعل شقائق الرجال أشد لطفاً لأخيها وأختها.