قف قليلا فلنحترم بعضنا لأننا سنفترق
لا يخلو أي شخص منا من تجربة الافتراق سواء مع صديق أو قريب أو زميل أو حتى زوج .. قيل إن الأخلاق تظهر بالافتراق ؛ فحين يفترق اثنان عاقلان يبدأ كلاهما في مرحلة جديدة ومن العقل أن يضع كل همه و تفكيره في تحسين هذه المرحلة بوضع أهداف له و السعي إلى تحقيقها لكن بعض ضعاف العقول – مع اقراره بهذا الافتراق بل و سعيه إليه – لا يهتم لمرحلته الجديدة بقدر اهتمامه بتشويه سمعة من افترق معه و صب جام غضبه عليه و نعته بأقسى العبارات يتصيد أي موقف لينبش في الماضي و يتناسى أن به هو نفسه أخطاء ينسى أننا لسنا ملائكة ولكل منا أغلاطه إلا من رحم ربك .
من صفات ذوي النفوس الراقية تبني ثقافة الافتراق بالحسنى و هذا يفيد القلب و يريح الفكر و الجسم و يوفر الوقت ..هذا نفسيا و اجتماعيا .. أما دينيا فقد أمرنا الإسلام بالعبد عن الغيبة ..و عدم المغالاة في الخصومة بل عدّ الإسلام المغالاة في الخصومة فجورا
قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم:
(أربعٌ مَن كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ) ( رواه البخاري و مسلم ) .
و إني لأغبط من يرتقي بفكره و يلتفت لشأنه و يفهم دينه فهما صحيحا فيبتعد عن هذه الخصلة الذميمة و أعني بها المغالاة في الخصام و سوء الكلام و المواقف في الافتراق .
ولأننا نحيا في دنيا المتناقضات أطرح سؤالا : ماذا لو دارت عجلة الحياة و أصبح هذا الشخص الذي افترقت معه بعدما وصفته بأبشع الصفات و أعلنت عليه حربك الأخلاقية أقول ماذا لو أعادتك ظروف الحياة لهذا الشخص و صرتما في جانب واحد متبنين لفكرة واحدة و أصبحت حياتك العملية أو العائلية أو المالية أو الاجتماعية مرتبطة به ؟ ماذا ستقول لنفسك ؟ قد يغيب عن أذهان بعضنا حديث سيد الخلق رسولنا محمد صلى الله عليه و سلم (( أحْبِبْ حبيبَكَ هوْنًا ما ، عَسَى أنْ يَكونَ بَغيضَكَ يومًا ما ، و أبْغِضْ بغيضَكَ هوْنًا ما ، عَسَى أنْ يكونَ حبيبَكَ يومًا مَا )) رواه أبو هريرة و عبدالله بن عمر رضي الله عنهما و غيرهما من الصحابة .
إذن لنرتقِ و لنقف قليلا مع أنفسنا فلنحترم بعضنا لأننا سنفترق .