نفائس المعادن
مما لا شك فيه ولا ريب أن الانسان حريص كل الحرص أن يكو له حظ وافر في أقتناء نفائس المعادن وأثمنها ولعل من أبرزها على سبيل المثال لا الحصر معدن الألماس والذهب والياقوت والعقيق الأزرق وغيرها من التي يفوق سعر الجرام الواحد عشرات الآلاف، كما وأن العاقل يتجنب الرديء منها إما لأنها ثقيلة أو لأنها ضارة أو أنها تقود إلى الخسارة.
كذلك هم البشر كالمعادن منهم النفيس ومنهم من هو دون ذلك، كما ورد عن النبي ﷺ قال:(إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض، والأحمر، والأسود، وبين ذلك، والخبيث، والطيب، والسهل، والحزن، وبين ذلك)، فلا غرابة أن تجد النقي الطاهر ولا غرابة أن تجد الخبيث المنافق، ومنهم من تملكه بالمعروف والاحسان، ومنهم من يكون احسانك ومعروفك إليه خنجراً مسموماً سيكون ذات يوم في خاصرتك، معللاً احسانك اليه واجب وحفظ الجميل ورده محرماً ولسان الحال يقول (اتق شر من أحسنت إليه).
هكذا هم البشر على مر الأزمنة والعصور حتى احتار العقلاء والحكماء في وصفهم بل تجاوز الصينيون ذلك إلى أن ربطوا طبائع البشر بالبروج والمكان، وكذلك ساهم حكماء العرب في ذلك فربطوا الاسماء بطبع البشر، كما أن الفراعنة ربطو ذلك بوقت الميلاد في الفصول الاربعة وكل هذا وذاك ليس له دلالة علمية حقيقية إنما هي اجتهادات فلسفية، وفي عصرنا الحديث تطورت العلوم الاجتماعية والانسانية من أجل معرفة طبائع البشر وتحليل سوكياتهم إلا أنها أصابة وأخطأت، والحقيقة أن البشر كالمعادن منهم الثمين النافع ومنهم الرديء الضار كما ورد في الحديث الشريف أنفا، فلا بروج ولا فصول ولا اسماء ولا ذلك ولا تلك لها دخل في تصرف الانسان وطبعه.
فلا يؤلمك من اساء اليك، ولا يحزنك من انكر معروفك ولا تحتار بطبائع البشر، ولكن احرص كل الحرص أن يكون معدنك من الطيب والجود والكرم، ولا يقع اختيارك الا على صديقاً معدنه نفيس قد اجتمعت فيه اجمل الخصائل واكمل الفضائل، ولعل ابيات محمد بن ادريس الشافعي ابلغ لهذا المقال حيث قال
المرء يُعرف فِي الأَنَامِ بِفِعْلِهِ
وَخَصَائِل المَرْءِ الكَرِيم كَأَصْلِه
اصْبِر عَلَى حُلْوِ الزَّمَانِ وَمُرّه
وَاعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ