. جُرعة وعي!
كنت في إحدى الصيدليات فدخل علينا رجل يلهث وكأنّ خيلا في أثره ، فأخرج هاتفه النقال ثم أراه الصيدليّ متسائلا :هل عندك هذا الدواء ؟
فرد عليه الصيدليّ للأسف لا! ولكن لديّ البديل والأفضل منه ، فرد عليه الرجل ولكنّ هذا الدواء مجرب ،وثبت نجاحه في الشفاء التام ! ضحك الصيدلي وقد ارتسمت على وجهه علامة استغراب ودهشة!
سألت الصيدليّ -من باب الفضول - ما الذي يدهشك؟! فقال هذا الدواء لم يمرّ عليه سوى أقل من يوم منذ تداوله في وسائل التواصل الإجتماعي حتى أصبح سؤال الناس وحديثهم.
شدّني حبّ الاستطلاع لمعرفة هذا الدواء السحريّ وماقصته ؟! فسألته بشغف وما الحكاية ؟
قال : رجل خرج يتحدث للناس في إحدى وسائل التواصل ويدعي أنه جرّب هذا الدواء فشفي تماما من مرضه !؟
إنها الدعاية الإعلامية التي ننخدع بها دون أدنى تأمل أو تفكير حيث يخرج علينا بين الفينة والفينة من يدعي أنه وجد العلاج السحري لمرض (ما) ،بل مايزيد الطّين بلّة أن ثمة من يدعي أن فلانا من الناس يعالج جميع الأمراض ، أي أنّه مستشفى متكامل لعلاج جميع الأمراض .
إن الموضوع -ياسادة وبكل بساطة - استغلال لعواطف الناس تحت ذرائع شتّى من بينها الصحة كما حدث في قصة صاحبنا، وقس على ذلك في الاستغلال العاطفي للحصول على الغنى والثروة أو الوظيفة والعمل ...الخ .
استغلال يُقابل بسخف وتدنّي فكر لدى المتلقي ثمرته النّدم والخسارة سواء في الصحة أو المال أو غيرها مما ذكرناه أو مما لم نذكره ، وهو استغلال جليّ كالشمس في رابعة النّهار لسرقة البسطاء المتهافتين على نار تلك الشائعات المفبركة والدعايات الزائفة التي راج سوقها في هذا العصر ، وقلّ من يسلم من الوقوع في شراكها حتى على مستوى المتعلمين والمثقفين.
نحن بحاجة إلى جرعة وعي تقوم على إعمال العقل وإجادة مهارة التفكير الناقد الذي لا يُسلمك للاستسلام لمثل هذا الاستغلال العاطفي أو نحوه ، بحيث نسأل أنفسنا ألف سؤال أبسطها ، لِمَ لمْ تعلن -عن هذا الدواء -الجهات المعنية كوزارة الصحة مثلا أو أحد مسئولي الصحة وأصحاب الشأن ، إذ ثبتأن هذا الدواء بالفعل بهذه الأهمية الدوائية في الشفاء السحريّ التام ؟!
ومثل ذلك يقال عن كلّ دعاية وشائعة مزيفة متدثرة بعباءة طهر ، ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب ، سواء كان ذلك في الصحة أم في أيّ مجال من مجالات الحياة حيث إن خطرها لا يقتصر على الفرد بل على المجتمع بأسره وربما تجاوزه إلى أهم مكون وهو الأمن والاستقرار ...
وأخيرًا ؛ همسة محبّ في كلّ أذن واعية :
غَلِّب جانب الشّك والكذب على جانب اليقين والصدق فيما يروج ويموج في وسائل التواصل الإجتماعي من شائعات ؛ وتذكر قول الحق سبحانه :
(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ )
فواجبي وواجبك أن لا نُقدم على نشر مثل هذه الخزعبلات أو المساعدة في ترويجها ؛ لئلا نكون شركاء في وزرها من حيث نظن أننا ننفع ونحن نضرّ ، بل إن واجب المثقفين الديني والوطني هو تبيّن حقيقة هذه الشائعات ،وبيان كذبها وخطرها على الفرد والمجتمع والدولة ،وصدق الله العظيم ؛ إذ يقول :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )