*رندا الشيخ
أن تكتب مجبراً هو أمر مزعج، لكنه على الأقل ليس مرعباً! فالمرعب هو إدراكك بأن هناك من ينتظر ما تكتبه ليقرأه.. ويقرأك! إنه شعور طاغٍ بالمسؤولية تجاه تلك الأرواح التي تستقي منك شيئاً ما، قد يكون أملاً يقود لابتسامة، أو دفعة معنوية، أو "قرصة" تنبيه، أو معلومة جديدة، أو مجرد تربيتة حنونة بكلمة أو اثنتين تشعرهم بأنهم ليسوا وحيدين في هذه الحياة! إنها مهمّة إنسانية عظيمة قد نتذمر من إلحاحها أحياناً بفعل الضغوط الخارجية التي تعبر طريقنا، أو الضغوط الداخلية التي تدفعنا لجلد ذواتنا بهدف تقديم الأفضل.. ولا شيء أقل!
لكن ذلك الشعور أو الاعتقاد بأننا ملزمون بتقديم الأفضل على الدوام، الذي يصل أحياناً إلى الهوس بالكمال في كل ما نفعل، ورفضنا لتقبل فكرة أننا قد نتعثر في بعض الأحيان، ونقدم شيئاً جيداً أو أقل من الجيد، هو في الحقيقة بمثابة العيش في زنزانة سجن انفرادي!
وأظن بأنك عزيزي القارئ قد سبق لك أن صادفت في مرحلة من مراحل دراستك طالباً ينتحب في فصلك بسبب نقص ربع درجة أو نصف في نتائجه النهائية، أدى إلى تراجع ترتيبه من الأول على مستوى المدينة أو المنطقة أو المدرسة إلى الثاني، في حين أنك نقصت أكثر من خمس درجات ولم تحرك ساكناً! بل كنت سعيداً باجتيازك لتلك المرحلة فقط! وتفكر بالاحتفال بنجاحك!
حين أتذكر مواقف كهذه الآن، أشعر بالحزن، فبدلاً من أن يسعد الطالب بنجاحه بمعدل يؤهله للانتقال إلى مرحلة جديدة أو عام جديد، ويشحذ همته للقادم، يبقى تائهاً في دائرة الحسرة على ما لم يحققه! فقط لأنه قاس نجاحه وقيمة ذلك النجاح بعدد من الدرجات أو المراتب، في حين أن القيمة الحقيقية تكمن فيما تلقاه من علم، وما كونه من صداقات، وما صقله من خبرات تعينه على بدء مسيرة حياة ناجحة.
لكن زنزانة السجن الانفرادي التي حكم على عقول بعضنا أن يعيش فيها منذ الطفولة لها مفتاح، أتعلم أين تجده؟ في عقلك! حين تعزز إدراكك بأنك إنسان ذو قيمة متأصلة في كونه إنساناً يملك قدرات قابلة دوماً للصقل! وتستطيع تحقيق أفضل مما تفعل، لكنك لست ملزماً بأن تحقق الكمال لتثبت بأنك ذو قيمة في عيون الآخرين!
فالحياة كما يقال: "يوم فوق.. ويوم تحت"!*
*