المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 5 مايو 2024

نعاني إعاقة فكر لا إعاقة جسد

أ.*هيفاء صفوق :  

*الفكر هو جوهر الإنسان، وهو القيمة الحقيقية التي تحرك كل حياته، إما أن ترفع صاحبها عالياً أو تهبط به للأرض، به يسمو الإنسان، به يسقط وينتهي.


ما يحرك الإنسان هو فكره وقناعته الداخلية، هنيئاً لمن امتلك فكراً نيراً إنسانياً متفتحاً على كل شيء جديد، ولا أقصد أن نخضع لكل جديد، لكن أن يكون الفكر مرناً ليناً متقبلاً المختلف عنه وليس بالضرورة الانصياع له.
ليس من الضروري أن يكون كل الأفراد نسخة واحدة من فكر واحد، بل الحياة تتطلب التنوع الفكري ليكون هناك الحراك والتجاذب والتبادل المختلف والمتنوع، وهذا من أساسيات الحياة، الاختلاف في الفكر والجنس والعادات والثقافات والتطلعات، لأنه لو كان الأفراد نسخة واحدة لأصاب الإنسان الجمود والتبلد وعدم التنوع ولأصبح الأفراد نسخة واحدة لفعل واحد وإنتاجية واحدة.


نحن نحتاج إلى عقلية متفتحة ومرنة ومستقبلة لكل تطور وتجديد، تقبل الفكر المختلف عنها، وهذا يحتاج إلى تفتح وانسيابية مع تغيرات الحياة، يحتاج المرونة في الطرح وفي التقبل والاستقبال، بحيث لا يكون هذا الفكر أو هذه العقلية تصادمية أو عدوانية.


منذ العهد القديم والأفراد مختلفون في فكرهم وتطلعاتهم وتوجهاتهم وطريقة معيشتهم، وهذا جعل لكل فرد حالة فردية مختلفة عن الآخر، وهذا سر الوجود والحكمة الإلهية.


العقلية المتفتحة تجدها دائماً محبة ومتطلعة لكل الثقافات المختلفة عنها، تعرف كيف تقرأ العالم، كيف تتأمله دون إصدار الأحكام، تدرك في قراراتها ومداركها ما هو الجيد لها وما هو الرديء بالنسبة لها أيضاً، فتكون لها حرية القبول والتطبيق سواء كانت أفكاراً، أو أفعالاً.


المساحة التي تأخذها العقلية المتفتحة كبيرة جداً تعطي صاحبها بعداً في جميع الاتجاهات الفكرية والاجتماعية والعالمية والإنسانية، من خلال ذلك يستطيع أن يبدع، أن ينتج، ويتفاعل مع الجميع دون ضر أو إضرار، دون تنقيص من قيمتها أو الإجحاف بحق المختلفين عنها، وهذا أحد المقومات الأساسية في الحياة بمعناها الحقيقي والعميق والإنساني الخالي من النزعة الدكتاتورية والهمجية والأنانية الصرفة، أو التحقيرية لكل مختلف عنها.
الوصول إلى ذلك يتطلب كثيراً من تنظيف الجوهر الداخلي للفرد والحصول على الوعي التام المؤمن بمعنى الإنسانية العميقة التفكير التي تقوم على أساس العدل والمساواة.


ما يعيق الأفراد كثيراً هو حالة الخوف التي تعتريهم من كل مختلف عنهم سواء في الفكر أو العادة، أو الثقافة، أو أي شيء جديد في المجتمع، تظهر تلك المخاوف لعدة أسباب مختلفة، الخوف من تسلط هذا الجديد عليهم فيفقدهم خصوصيتهم، والخوف من فقدان الخصوصية ليس من أجل هذه الخصوصية، بل هو الخوف من التغيير، لذا تحصل تلك المقاومة، وهناك حالة من المخاوف بسبب بعض الأفراد أنهم مسيطرون ومنتفعون من النمط الذي يعيشونه، فلا يرغبون في الجديد أو التغيير، لأن هذا التغيير يسحب البساط من تحت أقدامهم، وهناك عديد من المخاوف التي ترفض التجديد أو الجديد، أو المختلف بسبب الجهل والتمسك بعادة ونمط قديم، وهذه نوعيات فقدت روح الإبداع والتطور والابتكار، وفضلت العيش في حالة الجمود والتجمد.


هذا لا يعني أن نركض وراء كل مختلف أو جديد، بل أن يحاول الفرد جعل عقليته متفتحة ومستقبلة لتأمل كل ما هو مختلف عنه، يستفيد ويفيد، يتعلم ويعلم، يتجاذب ويتبادل المعلومة، التجربة والحياة، والحقيقة أن الحقيقة نفسها مختلفة في كل فرد، فهي متغيرة، متطورة، يشاهدها كل فرد من زاويته هو فقط، وربما أنه يغير رأيه في هذه الحقيقة بعد عمر أو تجربة أو موقف أو بعد نضج ووعي أكثر، إذاً الحقيقة متغيرة، لها أبعاد في كل زمان ومكان، فما كان في الأمس مرفوضاً هو اليوم موجود، لذا أهمية الانفتاح ليست في القبول، أو التطبيق، بل في الإيمان بمبدأ الاختلاف الذي لا يضر أو لا يدمر، ولا يعتدي على حرية الآخر.

كاتبة بصحيفة الشرق*
بواسطة :
 0  0  10.2K