عمر بادحدح وذكرى الرحيل
يوم أمس الأربعاء الثاني عشر من ديسمبر مرّت الذكرى الثامنة لرحيل شيخ فاضل أفنى عمره في مساعدة الفقراء والمعسرين وتقديم المساعدات لمن يحتاجها في مجالات عده انه الشيخ الانسان الرجل المعطاء عمر بادحدح والذي عرفته شخصيا عن قرب منذ عام 1989م. واما تاريخه فقد كان حافلا منذ ريعان شبابه رحمة الله عليه وسيرته العطرة كانت على كل لسان فهذا الرجل الذي تعلّم صغيرا في الكُتّاب في قريته (صيف) بوادي دوعن الشهير قبل ان ينتقل الى ارض الحجاز كغيره من الآلاف من أبناء حضرموت، وفي جدة بدأ حياته العملية عاملا بسيطا ثم فتح له محلا تجاريا صغيرا وشق طريقه في هذا المجال وفتح الله عليه أبواب رزقه بعد أن أخذ بأسباب الاجتهاد والنجاح في هذا الشأن حتى اصبح من مؤسسي الغرفة التجارية في جده وكان عضوا في مجلس ادارتها لسنوات عديدة وان لم تخني الذاكرة فقد كان من ضمن اول عشرة حصلوا على السجل التجاري في ذلك الوقت، ورغم تصاعد نشاطه التجاري الا ان الشيخ عمر لم يهمل الجوانب الأخرى وعلى وجه الخصوص الجوانب الإنسانية والاجتماعية فكان بيته مقصدا لكل القادمين من قريته حتى تتيسر امورهم ويشقوا طريقهم في البحث عن الهدف الذي قدموا من أجله وبعد أن يسّر الله له ومُنِحَ الجنسية السعودية لم يُحْصِرْ نفسه على ذاته بل سعى لخدمة الاف القادمين من حضرموت بالسعي لهم للحصول على الإقامة النظامية وكفالتهم باسمه حسب ما يقتضه النظام المتبع في ذلك الوقت،
وقد تشكلت شخصية الشيخ عمر الإنسانية والاجتماعية من خلال اطلاعه وتنمية ثقافته المعرفية والدينية وقربه من العلماء والمصلحين ومتابعته الدقيقة لما يجري للمسلمين في انحاء العالم فكانت اهتماماته الأولى دعم السجناء المعسرين ممن تعرضوا لنكبات تجارية او ديون لحقت بهم حتى اوصلتهم الى السجن فتم تشكيل لجنة لمساعدتهم واقالة عثرتهم وكان للشيخ اليد الطولى في ذلك.
ومن خلال رحلاته الى كثير من مناطق المسلمين ساهم في دعم اللاجئين والمحتاجين والمؤسسات والجمعيات الخيرية التي بدأت تتشكل لتقديم الدعم والمساندة في الكوارث وغيرها،
ولم يغب الاهتمام باهل بلاده في الداخل عن ذهن الشيخ عمر رغم الستار الحديدي الذي فرضه نظام العنف الثوري (الاشتراكي) عليهم حينها فكانت مواقف الشيخ واضحة وجلية فكان اوّل من اسمع الرئيس سالم ربيع كلاما ونقدا قويا في اول زيارة له الى المملكة عام 1977 حيث التقى بعدد من الشخصيات المرموقة من ذوي الأصول الحضرمية فانتقد كل السياسات التي استخدموها ضد المواطنين والوطن من قتل وسحل وتأميم للمساكن والمزارع والممتلكات وللأمانة كان الرئيس سالمين منصتا جيدا ومعترفا بالأخطاء التي اُقْتُرِفَتْ ووّعد بإصلاح الأوضاع الى ما هو افضل ولكن الرفاق لم يمهلوه فما هي الا اشهر معدودة حتى اردوه قتيلا في انقلاب دموي فضيع،
كان الشيخ عمر رحمه الله يركز على العمل المؤسسي في اعماله الخيرية لإيمانه أنه الأكثر جدوى وفاعلية وأفضل من العمل الفردي الذي كثيرا ما تحدث فيه الأخطاء أو يشوبه التقصير.
تكررت زيارات الشيخ عمر مرات عديدة الى اليمن شماله وجنوبه في مناسبات كثيرة ابتداء من عام 1989 عندما زار عدن وحضرموت على رأس وفد من هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية والذي كان يرأس لجنة اليمن حينها بالهيئة الهدف منها تقديم مساعدات في الجوانب التعليمية والصحية بدرجة رئيسية، ويحرص في كل مرة على اللقاء بالمسؤولين ويحثهم على تسهيل الأمور للمواطنين وللداعمين في الجوانب الخيرية والاجتماعية وقد تشرفت بمرافقته في كثير من زياراته وشعرت بتعامله الأبوي الراقي عن قرب ولمست وتعلمت منه الكثير وقد لمست بنفسي ما اخبرني به اخي الحبيب محسن الناخبي مدير مكتبه انني ومنذ عقود من العمل مع الشيخ عمر لم اسمع منه ما يزعج بل لم يشعرنا وكل العاملين معه اننا مجرد موظفين بل يشعرك حقيقة انك جزء منه،
رحمك الله يا شيخ عمر واسكنك الله فسيح جناته، ذكرياتي معه كثيرة وما تعلمته من تلك الهامة الكثير والكثير ولن يحتويه حتى كتاب وآمل ان يوفقني الله لكتابته يوما ما تخليدا وعرفانا لتلك القامة الإنسانية التي قلما يجود الزمان بمثلها،
وقد صدق الشيخ عبدالاله بن محفوظ عندما قال لي عام 1996 ونحن في طريقنا من المكلا الى الهجرين ان الشيخ عمر هو آخر من تبقى من جيل الاخيار الحضارم عليه رحمة الله.