إليك صديقي: كن منصفاً و "عادل"
أنعم لله - تعالى – على الإنسان بالعقل والبصيرة والإدراك ، ووكل إليها قيادته إلى الخير والسلوك الأمثل ومحبة الآخرين وأخوتهم ذلك لأن هذه الصفات الخلقية عنصرّ هام من عناصر البقاء والسلامة للحياة القويمة المنيعة المبنية على الفضائل والروابط الإنسانية والخيرية التي تجدر بالإنسان أن يرعاها وأن يوليها كل عنايته واستشعاره وقبوله،لكننا – والأسى يُلجمنا ويحزّ مشاعرنا – لو أجلنا الأبصار في محيط مجتمعاتنا وأوساطنا لارتدّت إلينا الأبصارُ شاكية وهي حسيرة وذلك لأننا نعيش – في هذه المجتمعات – على هامش الحياة الأخوية والتعاونية المرغوبة والمأمولة والشواهد الملموسة والمحسوسة - بيننا وفينا – أكثرُ من أن تُحصى وتُعد..!! وليس مستنكراً أن تُبتلى بداء الفرقة والتنافر والتباعد بعض المجتمعات التي لم تَنلُ نصيبا وكافياً من الثقافة والتعليم لكل المستهجن والمستنكر أن يستلذه ويستحليه ذوو الثقافة ودعوى التعليم والمعرفة وهذا – بلا ريب – إحباط رهيب مدرّ لبناء الحياة ومستقبل الأمة والأجيال .
إن ذلك الخلق الذي نستعيذ بالله منه – صفة بشرية ذميمة لا تليق بمن آتاهم الله بسطة في الثقافة والاطلاع وإلماماً بشؤون الحياة والمجتمع؛ لأمم مطـالبون – قبل غيرهم – بالتطبيق العملي الذاتي بتزكية النفس وسلامة الوجدان والأعماق من كل الشوائب والمفاسد .. وهم مدعوون - بلسان الوفاء والولاء – إلى توجيه أمتهم والتعالي بمجتمعهم نحو مواطن التكافل والتماسك وتوحيد الغاية والوسيلة في رحلة الحياة الطويلة الشاقة . إن الحياة – ذميمة هزيلة – إذا ما حفت بما يجعلها عَبَثاً شائنا يُقتل به الزمنُ وتهدد بواسطته صروحُ التآخي والتلاحم المحمود؛ وإنه لمن العيب على أي مجتمع يملك الإدراك والوعيّ وسلامة التخطيط أن يظل حائرا يتجرع أنقاضه وأدواءه مطلقا الزمام الافواه الهجينة – دون إمساك بها – لا لتفتش عن عيوبها الذاتية والاجتماعية فتعالجها وتصلحها ولكن لتشعل النار الكاوية والمحرق للمحبة والألفة وذلك بإطلاق النقدِ الجارح للآخرين وتشويه أعمالهم وسلوكهم ببهتان يفترونه عليهم ويقتلون به طموحًهم ومواهبهم ونشاطاتهم المختلفة..! لو أن أي إنسان – في هذا الوجود – صرف نظره عن عيوب الناس وملاحقة أعمالهم ، وَنَصب الميزان العادل لأعماله وعيوبه التي يقوم بما في أيام عمره القصير وأجرى عليها فحصاً دقيقا يميز به المحاسن والمساوئ ويخلص النفيس من الزهيد فأصلح ما فسد وقوّم ما أعوج ونبا لكان ذلك خدمة جليلة لنفسه وإنصافاً واعياً لمجتمعه وقومه ؛ ولرسم لحياته الخاصة والمشتركة طريقاً أميناً إلى الرشاد والسداد لايظل فيه السالك ولا يجانبه البصير.. !! ما أشقى شخص مسلوب الإرادة والخُلُق ، متجرد من التوادّ والتراحم والمحبة– لا يملك الحيـاة ولكنه في حساب الأموات الذين لم يتركوا أثراً يُذكر ولا خيرا يُشكر .. !!
ختم المقال بيت شعرمن ديوان العرب للشاعر الجاهلي عَدِيّ بن الرَّعلاء الغسّاني حيث قال:
"ليس من مات فاستراح بِمَيْت
إنما الميت مَيْت الأحياء"