معلمتي للصف الأول الابتدائي ـ بدرية عقيبي ـ كتبتك...
كبرت يا معلمتي... عانيت كثيرا، تحديت الحياة مرارا، غلبتني حينا، وهزمتها أحيانا أبكتني يومًا، وأضحكتني أياما، من علمني حرفا صرت له عبدا، علمتني أمي إياها قبل أن تخطو قدماي بوابة المدرسة الكبيرة التي تقتحمها طالبات كثيرات، بدون أي نظام خفت على جسدي النحيل من أن تدفعه إحداهن بجسدها خُيل إلي أنني سأتكسر وسأفقد القدرة على الحياة، فتعلمت أن أتلاشى بجسدي بانسيابية وأتحكم في دخولي وخروجي و لو كلفني وقتا لا أنكر يامعلمتي أدهشتني تلك المخلوقات التي رايتها السمراء و البيضاء، الطويلة والقصيرة، النحيفة والسمينة، رأيتهم كانوا أمامي فجأة و أنا بينهم لا أفهم ما هي الحياة؟ و من هم؟ و كيف يعيشون؟ و كيف يفكرون؟ و كيف يحلمون؟ حتى كلماتهم التي كنت أمد جسدي الصغير لأعي محتواها فهم يتحدثون بسرعة، و يأكلون بسرعة، و يلعبون بسرعة، إنهم وهم يضحكون يضربون بعضهم بعضا ثم اسمعهم يقولون هذا مزاح! لم يعجبني يا معلمتي مزاحهم العنيف ولا تلك الكلمات التي يتلفظون بها، لكن أعجبني موقف لك جميل وكل ماكان فيك جميل! ربما كان عابرا لديك تمنحينه لكل طالباتك لكني مازلت للحظة هذه اتذكره وأفرح به بل أصبح قضيتي التي أنافح عنها وأدعو لها بكل طريقة تتاح لي ؟ وخاصة بعدما رحل أبي... إنّه الحب،
الحب يا معلمتي الذي ظللتِ به عليّ طوال السنة الأولى تجاوزتي لي عن حروفي المبعثرة، و خطوطي المبهمة، وقراءتي المتعثرة، ورسمت لي نجمات كثيرة أشعرتني أنني جد متفوقة ونابغة، ابتسامتك الآسرة، وصوتك الندي الذي كنت اسمعه وأنت تخبرين المعلمات ـ حياة طفلة ذكيةـ صرت مغرورة حتى وبخني أخي وحذرني من الغرور لكنني لم التفت له، فلقد شهدت لي بذلك فاكتفيت...
وعند غيابك ذاك اليوم كان يوم وحيد في العام، مازلت أذكره لم تأتي إلينا ذهبنا إلى فصل المعلمة فائزة استأذنت هي زمنا بسيطا ونصبت علينا قائد تين كنا نسميهم ـ العريفات ـ وفاء من فصلنا و ابتسام من الفصل الآخر عندها حزنت كثيرا لغيابك لم يعجبني الفصل المكتظ بأكثر من 50 طالبه ، أصواتهم المزعجة وحركاتهم الكثيرة خرجت من الفصل و حين عُدت وجدت العريفتين ينتظرانني عند باب الفصل و قاما بضربي لقد وقعت على الأرض من هذا التنمر الذي قابلني انقضى علي، و أنا أُخبىء وجهي البريء داخل يداي الصغيرتين ليتلقى الضرب جسدي، و سمعتهم يقولون لي لماذا لا تستاذنين منا؟ صوت بداخلي من أنتم حتى استأذنكم؟ لكنني تعلمت من هذا الضرب المبرح بعد ذلك أن استأذن حتى من الطفل الصغير! وإذا لم أجد أحدًا استأذن منه استأذنت من الجمادات والحصير!
جاء اليوم الثاني كنت حزينة لم أخبر أسرتي ، فلقد شعرت بخطأي ودفعت ثمن غروري الذي حذرني منه أخي، وأيضا خفت أن تغضب عائلتي فتحدث مشكلة لصديقاتي فأنا أحب بسمة وأخاف من وفاء!
وجئتِ أنت لململت غربتي وشعرت بالآمان الذي فقدته بالأمس وكان ثمنه مبرحًا، لكنني مازلت حزينة ظللت أنظر لك كثيرًا وأنا صامتة!
ـــ حوتة تعالي كما كنت تناديني
ذهبت إليك وأنا مطأطأة الرأس وأحمل في حناياي حزنًا يسع العالم.
ـ مابكِ حزينة؟
ـ غبتِ أمس ووفاء وبسمة ضربوني
ـ لماذا؟
ـ خرجت من الفصل ولم أستأذنهم !
وعدتُ لكرسي وطاولتي.
انتفضتِ يامعلمتي وغضبتِ وصرختِ
وفاء تعالي
ـ لماذا ضربتِ حياة ؟
ـ لم تستأذن؟
وبختي وفاء ، وقلتِ لها كلامًا كثيرًا خافت وفاء، بدا وجهها أحمرًا خائفا ، وسرحتُ أنا شعرتُ أنّي أطول أصل حد السماء، أبلتي تحبني كثيرًا جدًا، وتدافع عني ، وتحفظ لجسدي الصغير كرامته.
لم تكتفي بذلك بل ذهبت للمعلمة فائزة وأخبرتها بفعل ابتسام وأنتِ غاضبة!
منذ ذلك اليوم أحببت المدرسة أكثر، أحببتك أكثر، وثقت في نفسي وفي محبتك أكثر، وتفتحت خلايا مخي وقلبي أكثر وتعلمت منك أكثر!
علمتني حياةــ اقرئي كل شيء ياحياة، حتى القصاصة على الأرض ، قرأتُ كل شيء يامعلمتي كما علمتني!
قرأت فكتبت وها أنا اليوم أكتب عنك ليقرأك العالم كله معلمتي.
معلمتي للصف الأول الابتدائي العظيمة ـ الأستاذة بدرية عقيبي ـ
معلمةٌ أحبتني فأحببتها فتعلمت منها .
أيتها المعلمة الملهمة التي
يختلط الليل بنسائمها مع السكون
يا محارتي
وشمعتي
وتاريخ طفولتي
حينما صرتُ
كاتبةً.. أو فارهةٌ كما يصفون
فأنت يا سيدتي
مسؤولة عن هذا التكوين المجنون
فحبك وحب عائلتي وحب علمائي وحب كل من حولي صنع تاريخ شعري ودوني
فشكرًا لكم وحبًا ووفاءًا مدى الأزمان.
كتبته/ الدكتورة حياة الهندي
خبيرة العلاقات الأسرية والاجتماعية
Expert in family &social realtions
ماجستير ودكتوراه في علم الدراسات الأسرية والاجتماعية