المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 4 مايو 2024

التربية .. والمجتمع .. علاقة تصالح أم خلاف ؟!

*أ. ناهد الحربي

*

التربية كالكائن الحي يعيش بيننا..تتفاعل معنا ونتفاعل معها..تؤثر فينا ونتأثر بها..وهذا يعني أن التربية لا تعيش في فراغ..ويمكن القول إنها الوسيلة التي يستخدمها المجتمع في صقل أفراده وبنائهم..وبالتالي فالتربية عبارة عن عملية مجتمعية تختلف من مجتمع لآخر.. فالثقافة والقيم الروحية التي يعيش عليها مجتمع معين هي التي تحدد نمط التربية السائد فيه.

والسؤال: هل التربية تؤثر أكثر في المجتمع أم العكس؟

ويبدو أن الإجابة ستكون متداخلة بشكل كبير..فالطفل منذ ولادته يتلقى تربيته في بيت أسرته..من أمه وأبيه وإخوته وأخواته..ويمتد الأمر بعد ذلك إلى العائلة والأقارب والجيران..والأسرة هي نواة المجتمع..وهي أصغر خلية تعبّر عن المجتمع خير تعبير..إذن المجتمع هو المعلم الأول للنشء..فإذا ما انضم الطفل إلى الروضة ومن ثم المدرسة؛ بدأت التربية تمارس مهامها.. ويحدث الاشتباك بين قيم مجتمعية تلقاها الطفل بادئ ذي بدء..وقيم تربوية يتلقاها في المدرسة..ونأتي للسؤال التالي: أي القيم تفوز؟ وهل يتصادف أن تلتقي قيم المدرسة والمجتمع ؟

والجواب أيضاً صعب..فلا يمكن أن نصادف مجتمعاً تتسق قيمه مع القيم التربوية المُتفق عليها من خبراء التربية..

ومن هنا يمكن القول إن برامج التعليم لا تنجح من تلقاء نفسها.. ولا يمكن أن يتم إجبار المجتمع على تعليمها لأبنائه، فكل برنامج تعليمي في بلد ما يعيش في زمان ومكان وبشر..وبالتالي يجب أن ندرس المجتمع أولاً من حيث ثقافته وقيمه الاجتماعية. ومن ثم فأي نظام تربوي يعبر عن المجتمع ..ولن توجد فائدة ملموسة ما لم يتم التصالح بين الفكر التربوي والواقع الاجتماعي..وهذه الحضارة المتراكمة لبني البشر ما كان لتتراكم وتتضاعف ما لم يحاول كل مجتمع مراجعة ثقافته وقيمه الاجتماعية بالتعديل، والإضافة، والإلغاء، والابتكار..

إن كل المجتمعات تعلم أن بقاءها مرهون بالتربية..ومن أراد النهوض وبخاصة بلدان العالم الثالث فليس أمامه إلا التربية والتعليم ..وهذا الاختيار صار إجبارياً.. وإلا طحنته آلة العولمة الفتاكة..وأصبح على هذا المجتمع أن يحدد حاجاته وأولوياته..وأن يعلم أن الهدف الأسمى من التربية يتلخص في تنمية الفرد علمياً ومهنياً وأخلاقياً..وتلبية الحاجات المُلّحة للمجتمع في النهضة والتنمية الشاملة في كل المجالات.. لتقليص الاعتماد على الخارج في كل شيء..

وتجدر الإشارة إلى أمر في غاية الحيوية والأهمية..وهو ضرورة عقد مصالحة حتمية بين الثوابت الدينية التي تنبع من نصوص وروح الدين.. وبين التربية .. وهنا لابد من التركيز على الحقيقة الجوهرية في الدين الإسلامي التي تقر العلم أساساً للمفاضلة بين الناس في الدنيا والآخرة.

وكثيراً مايطرق اذهاننا تساؤل مهم : كيف نحقق المواءمة بين التربية والمجتمع خصوصاً إذا كانت شريحة كبيرة منه أمية لا تقرأ ولا تكتب ؟

والجواب يكمن في حقيقة الأمر في ضرورة الاعتماد على مصطلح تم تداوله منذ سنوات ولم تهتم به المجتمعات العربية بالقدر الكافي..ألا وهو المدرسة المجتمعية.

شاعت هذه المدارس في الغرب.. وانتشرت وازدهرت..مع أننا المحتاجون إليها في الأصل..إنها مدرسة عادية ككل المدارس..ولكنها تعد بمثابة مركزاً للحياة المجتمعية..تدعم التلميذ والأسرة وتقدِّم الخدمات الصحية والاجتماعية..وتحسِّن من التعليم..وتهتم بدور الأسرة.. بل تدعو الأب والأم للجلوس مع أبنائهم على مقاعد الدراسة..إن كان قد فاتهم التعليم..

إن القطاع الخاص والمنظمات الأهلية ورجال الأعمال ووجهاء المجتمع كلهم مساهمون وداعمون للمدرسة.. ويم التواصل بين المعلمين والطلاب والأسرة في عطلات نهاية الأسبوع.. وبعد أوقات الدراسة..

*ويصبح المجتمع مسؤولاً مع الدولة عن بناء المدارس، وتقديم الخدمات الصحية والاجتماعية..وربما تقديم المعونات للمحتاجين من الطلاب وأسرهم.

فهل نحن معنيون بالمصالحة بين التربية والمجتمع ؟..وهل نحن معنيون بأن نتعب ونبذل الجهد من أجل تحقيق حُلم المدرسة المجتمعية ؟.. واسمحوا لي أن يكون هذا المقال بداية حوار مجتمعي جاد للإجابة عن هذين السؤالين!!! .

*متخصصة في الإدارة والتربية والمجتمع*

*

بواسطة :
 0  0  10.4K