المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 26 ديسمبر 2024
مصلح الخديدي
مصلح الخديدي

إما عفو - وإما قصاص



إن من أعظم الأمور قتل النفس التي حرم الله بغير حق ، وسفك الدماء المعصومة وإزهاقها واستباحتها وانتهاك كرامتها والتجرُّؤ على حُرمتها التي قد عظم الإسلام شأنها.
قال الله تعالى : ( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)، وجاء في الشريعة تحريم الإشارةَ إلى مسلمٍ بسلاحٍ أو حديدة ، سواء كان جادًّا أو مازِحًا ، وشرع الله القصاص وبين أن في القصاص حياة للناس ، ومتى أهمل القصاص استخف الناس بالدماء ، ومتى علم القاتل أنه يسلم من الموت أقدم على القتل بلا تردد..
لذلك خير الشرع أولياء دم المقتول بين القصاص والدية والعفو، فكان في مشروعية القصاص حياة عظيمة لكلا الجانبين .

الملفت للنظر ماتناقلته وسائل التواصل الإجتماعي في هذا الشهر الكريم ، عن ظاهرة وإن كانت قد تبدو نوعاً ما غير مستغربة إلا أنها تعد أكثر غرابة ، وهي المبالغة في طلب الدية بأرقام فلكية وشروط ربما جنونية ، مقابل العفو عن القصاص ، إلى جانب التجمعات وإقامة المخيمات ، وإرهاق لكاهل أسرة الجاني وأقاربه وقبيلته إلى حد قد يصل إلى التعجيز والمطالبة بما قد لا يمكن تحقيقه ..

لم تكن هذه الظاهرة معروفة ، ولَم نعهدها سابقاً ، إلا أنها إنتشرت وتطورت بمجتمعنا الذي يحث ويشجع على العفو والتسامح والقيم الطيبة النقية ، فكان ( إماعفو وأما قصاص) .
لأن العفو لم يكن يوماً من الأيام من أجل دنيا أومظاهر زائلة ، وإنما شيمة وقيمة لا تقدر بثمن وما عند الله خير وأبقى .

إن هذه الأرقام الفلكية التي نسمع عنها قد تكون مقلقة لأولياء القاتل وقبيلته عندما يوافق ولي الدم على التنازل ، لا ينظرون إلى مقدار ما يدفع ، فهم يريدون إنقاذ الجاني الذي ربما أنه لا يدفع شيئاً وأن الذي يتحمل ذلك أناس لا ذنب لهم فيما أقدم عليه الجاني ، وربما أدت تلك المبالغ لحدوث قطيعة بين أولياء الدم بسبب الاختلاف في قدر مبلغ المصالحة.

إن توعية المجتمع بما ورد في الشرع الحكيم أمر مهم .
أولاً : الحث بكل وسيلة تحقق الإنتشار والقبول على الخير وتغليب جانب ما عند الله خير مما يأخذه الولي أو من له صلة بالقتيل .
ثانياً : بذل الجاه والشفاعات للعفو ابتغاء وجه الله أوالرضا بالدية الشرعية أوالصلح على مبلغ غير مبالغ فيه مبالغة خيالية فاحشة .
ثالثاً : تفعيل دور لجان العفو وإصلاح ذات البين في جميع المناطق وتدخل ولي الأمر حفظه الله في وضع سقف أعلى لا يتجاوز في تلك المصالحات .
رابعاً : وهو الأهم ، تكريم المتنازلين العافين عن القصاص دون مقابل أو في حدود المبلغ المعقول ، والاحتفاء بهم في المناسبات الرسمية للمملكة لتشجيع غيرهم على الإقتداء بهم .
خامساً : حث رجال الأعمال والمقتدرين لدعم لجان إصلاح ذات البين وتحديد مبالغ مقبولة ومعقولة في قضايا السعي بالعفو في القصاص . .

ختاماً:
يقول عننترة بن شداد
لايحمل الحقد من تعلو به الرتب. ولاينال العلا من طبعه الغضب .
إن المبالغة في الديات ليست تنازلاً بل متاجرة بدم القتيل ، بينما العفو هو التنازل ابتغاء ماعند الله.
بواسطة : مصلح الخديدي
 0  0  14.1K