استغلال النفوذ الوظيفي
استغلال النفوذ الوظيفي
تعتبر الوظيفة العامة من المسؤوليات التي تسعى لتحقيق المصالح العامة وهي الامانة العامة التي تقع على عاتق كل من يكلفون بالمهام فهي تكليف لتحقيق المصالح العامة في الدولة طبقاً للقوانين واللوائح المعمول بها في كل جهة إدارية، إذ أن الموظف العام يؤدي المهام المكلف بها والتي تتصل مباشرة بالوظيفة العامة والتي تسمى بالواجبات الايجابية أو يمتنع عن بعض الأعمال التي تعتبر من المحظورات عليه، ونتيجة لذلك يدخل الموظف في اشكاليات المخالفات التأديبية سواء أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها وجاء تعريف الموظف العام وفقاً للبند الثامن من المادة(1) من مرسوم قانون اتحادي رقم (11) لسنة 2008 بشأن الموارد البشرية في الحكومة الاتحادية (الموظف كل من يشغل احدى الوظائف الواردة في الميزانية)
فالوصول لمنصب قيادي يتيح للموظف صلاحيات واسعة وأحيانا بعيدة عن الرقابة في استغلال المنصب لأغراض كثيرة قد تكون غير قانونية أو شخصية تجسد صورة الملكية للمنصب الذي يفترض من خلاله أن يتم خدمة المواطن وتسهيل الحصول على حقوقه..!!احاول أن أطرح هذه القضية لنبحر معا سعيا للوصل لحل حقيقي وشفاف يتسع لجميع الآراء التي نريدها بقالب واقعي ورؤية موضوعية، قد يكون هناك أمور أخرى .. واستغلال آخر للوظيفة .. وللمنصب .. وللنفوذ .. لكنها في النهاية .. وباللغة البسيطة تعتبر فسادًا في العمل .. أو استغلالاً للوظيفة بغير وجه حق فاستغلال النفوذ الوظيفي أياً كان مصدره سواء كان حقيقياً أم وهمياً يؤدي إلى الإخلال بمبدأ العدالة الاجتماعية بين أفراد أي مجتمع ما وذلك حين يستخدم لتحقيق مصالح خاصة على حساب المصلحة العامة، مما يؤدى إلى انتشار الفساد الإداري والمالي الذي يقع على الوظيفة العامة؛ و برغم تميزها عن باقي جرائم الوظيفة العامة والمال العام، إلا أنه يمكن اعتبارها مدخلاً واسعاً لارتكاب مخالفات وظيفية ترقى لجريمة أخلاقية وذلك لما يحققه النفوذ الوظيفي من تأثير وقهر على من يمارس ضده بصورته السلبية ويمكن تعريف استغلال النفوذ الوظيفي ؛ بأنه الاستفادة من السلطة الوظيفية بصورة غير قانونية أو غير مشروعة وفقا لما منح له من صلاحيات أكسبته نفوذا بغير ما أراده المشرّع
فلقد وضع الإسلام أسسا وقواعد متينة لتولي وتقلد المناصب، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، هي مسؤولية وأمانة في نفس الوقت ، إذا أسيء استغلالها، تحولت إلى مصائب وكوارث تصيب صاحبها وتمتد آثارها إلى الشعوب والأوطان، فالمنصب تكليف ، لا يقدر عليه إلا أصحاب الهمم العالية والنفوس الشريفة الرفيعة التي تدرك جيدا أن المنصب وإن طال توليه، فهو زائل لا محالة، وأن المنصب هو الذي يسعى إلي الشخص ولا يسعى الشخص إليه
عندما تولى أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، الخلافة، قال: «أيها الناس: إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حسن فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فقوموني، أطيعوني، ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم، ألا إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له، وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه، وبعد تولي عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الخلافة قال: «اللهم إني شديد فليني، وإني ضعيف فقوني، وإني بخيل فسخني» وقال أيضا: «إذا رأيتم في اعوجاجا فقوموني» فقام رجل وقال لعمر: والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا، فقال عمر: «الحمد لله الذي جعل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يقوم عمر بسيفه» كما أن لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قولا مأثورا، حيث قال: «ويحك يا ابن الخطاب، لو عثرت دابة على شاطئ الفرات لسألك الله عنها لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق يا عمر؟
حين ولي عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه الخلافة، قدمت إليه مراكب الخلافة، فقال: «ما لي ولها؟ نحوها عني وقدموا لي دابتي، فقربت إليه، فجاء صاحب الشرطة يسير بين يديه بالحربة، فقال: تنح عني، ما لي ولك؟ إنما أنا رجل من المسلمين وأمر بالستور فرفعت، والثياب التي كانت تبسط للخلفاء فأمر ببيعها، وإدخال ثمنها بيت المال
فاستغلال المنصب أو المركز من قبل الأشخاص للحصول على معاملات أو تسهيلات وامتيازات خاصة، ما يتصل بوجود المنافسة الحقيقية وتكافؤ الفرص مع الآخرين، «هؤلاء المستغلين لمناصبهم» عن نوعية من الممارسات للتكسب الشخصي يصبح من الصعوبة بمكان وصفها إلا بالجريمة فالأمة التي لا أمانة فيها هي التي تهمل أصحاب الكفاءات والخبرات في تقلد المناصب، حيث تولي عليها من ليسوا أهلا لها، الذين يستحوذون ويتهافتون عليها، لتحقيق آمال وطموحات ومصالح ومنافع ومكتسبات ذاتية أو شخصية أو أسرية، وتكون النتيجة أن تتسبب هذه المناصب في جلب المصائب لهم ولشعوبهم وأوطانهم، حيث تعم الفوضى والاضطراب والفساد وأعمال النهب والسلب كما حرم الإسلام تحريما شديدا أن يستغل صاحب المنصب ، أيا كانت منزلته، منصبه لتحقيق مصالح ومنافع شخصية، فلقد بلغت العدالة والمساواة التامة في تولي المناصب والأعمال، بكل مستوياتها، شأنا عظيما في كل عصور الإسلام، لذا يقول صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته» كما أن التشريع الإسلامي أوجب على الولاة وأصحاب المناصب أن يستمعوا جيدا للكلمة الصادقة وللنقد والحوار البناء الهادف لمصالح العباد والبلاد، فقد ورد قول للخليفة علي بن أبي طالب، رضي الله عنه «أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن لك فيه هوى من رعيتك
وفي المادة ( 26) من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة ان الحرية الشخصية مكفولة لجميع المواطنين ولا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حجزه أو حبسه إلا وفق أحكام القانون ولا يعرض أي انسان للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة والمادة (27): يحدد القانون الجرائم والعقوبات ولا عقوبة على ما تم من فعل أو ترك قبل صدور القانون الذي ينص عليها والمادة(28) على أن " العقوبة شخصية والمتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية وعادلة، وللمتهم الحق في أن يوكل من يملك القدرة للدفاع عنه أثناء المحاكمة ويبين القانون الأحوال التي يتعين فيها حضور محام عن المتهم" والمادة (41): لكل انسان أن يتقدم بالشكوى إلى الجهات المختصة بما في ذلك الجهات القضائية من امتهان الحقوق والحريات
وتؤكد المادة ( 10 ) من قانون الاتحادي رقم ( 43 ) في شأن تنظيم المنشآت العقابية لسنة 1992 على أنه يحق لعضو النيابة العامة المختص دخول المنشآت العقابية في أي وقت وذلك للتأكد من تنفيذ القوانين واللوائح ، كما تنص نفس المادة على أنه لكل مسجون الحق في مقابلة عضو النيابة العامة أثناء تواجده بالمنشأة والتقدم إليه بالشكوى وعلى عضو النيابة العامة فحصها واتخاذ ما يلزم في شأنها وإخطار النائب العام بذلك ونصت المادة (242) من قانون العقوبات الاتحادي رقم (3) لسنة 1987 المعدل بالقانون الاتحادي رقم 34 لسنة 2005م على أن يعاقب بالسجن المؤقت كل موظف عام استعمل التعذيب أو القوة أو التهديد بنفسه أو بوساطة غيره مع متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو على الإدلاء بأقوال أو معلومات في شأنها أو لكتمان أمر من الأمور" ونصت المادة (243) من قانون العقوبات الاتحادي على ان "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل موظف عام عاقب أو أمر بعقاب المحكوم عليه بأشد من العقوبة المحكوم بها أو بعقوبة لم يحكم بها عليه، كما نصت المادة (244) من ذات القانون انه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز خمس سنوات كل موظف عام له شأن في إدارة أو حراسة إحدى المنشآت العقابية أو غيرها من المنشآت أو المؤسسات المعدة لتنفيذ التدابير الجنائية أو تدابير الدفاع الاجتماعي إذا قبل إيداع شخص في المنشأة أو المؤسسة بغير أمر من السلطة المختصة أو استبقاءه بعد المدة المحددة في هذا الأمر أو امتنع عن تنفيذ الأمر بإطلاق سراحه، كما نصت المادة (245) من قانون العقوبات يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة أستعمل القسوة مع أحد من الناس اعتمادا على سلطة وظيفته فأخل بشرفه أو أحدث آلاما ببدنه، كذلك نصت المادة (259) من قانون العقوبات "مع عدم الاخلال بحكم المادة (243) يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة و بالغرامة التي لا تجاوز خمسة آلاف درهم كل من استعمل التعذيب أو القوة أو التهديد، أو عرض عطية أو مزية من أي نوع أو وعدا بشيء من ذلك لحمل آخر على كتمان أمر من الأمور أو الإدلاء بأقوال أو معلومات غير صحيحة أمام أية جهة قضائية" وقد نصت المادة (344) من قانون العقوبات على أن "يعاقب بالسجن المؤقت من خطف شخصا أو قبض عليه أو حجزه أو حرمه من حريته بأية وسيلة بغير وجه قانوني، سواء أكان ذلك بنفسه أو بوساطة غيره، فاستغلال المنصب ليست ظاهرة محلية وإنما هي ظاهرة عالمية ولكن تختلف من بلد إلى آخر وحينما يتحدث الناس عن استغلال المناصب يقفز فورا الى أذهانهم الأساليب المعهودة لممارسة الفساد على مر العصور والأجيال من قبيل الرشوة والمحسوبية، والواسطة، وتجاوز القوانين والنظم المعمول بها، واستغلال المنصب العام لتحقيق مكاسب شخصية أو ضرر الغير، وتقع جريمة استغلال النفوذ على الوظيفة العامة وتكون بمقابل منافع أو مال أو اية امتيازات اخرى ومن منطلق المادة (66) يمكنا التطرق إلى
أولاً: السلوك الشخصي: حددت المادة(66) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (11 لسنة 2008) بشأن الموارد البشرية في الحكومة الاتحادية السلوك الشخصي للموظف على النحو التالي: على الموظف أن يسلك بتصرفاته مسلكا لائقاً يتفق ومعايير السلوك المعتمدة للوظائف العامة وعلى بصفة خاصة الالتزام باحترام القوانين والنظم واللوائح ذات الصلة بأداء الواجبات والمسؤوليات الوظيفية، أداء الاعمال المنوطة به بكل دقة وعناية ونزاهة بما يحقق أهداف ومصالح الوزارة التي يعمل فيها، ممارسة المهام الوظيفية بحسن نية متجرداً من سوء القصد أو الاهمال أو مخالفة المرسوم بقانون أو الاضرار بالمصلحة العامة، تقديم الخدمات المتميزة لجميع العملاء بأسلوب مهني متزن يتصف بالود وحب المساعدة، التصرف بطريقة تحافظ على سمعة الحكومة بشكل عام والجهة التي يعمل بها بشكل خاص، التقيد بأرفع المعايير الاخلاقية في سلوكه وتصرفه، احترام حقوق وواجبات زملاء العمل ومعاملتهم بكل لياقة، استخدام الاموال العامة بما تفرضه الامانة والحرص وتجنب الهدر، عدم استغلال المعلومات التي يحصل عليها خلال تأدية واجباته الوظيفية
ثانياً: واجبات الموظف العام المتعلقة بمهام عمله أو المكلف به: يجب على الموظف أن يؤدي العمل المنوط به بالدقة المطلوبة والأمانة، وبالدقة التي يبذلها موظف مثله في الدرجة والظروف ذاتها التي تؤدي فيها الموظف عمله، وعليه الانتظام في الحضور إلى مقر عمله وأن ينصرف في المواعيد المحددة لذلك، والا يغادر مقر عمله الا وفق الاجراءات والضوابط المقررة في هذا الشأن، وتزداد هذه الاهمية إذا كان المرفق الذي يعمل فيه الموظف يتردد عليه افراد الجمهور من طالبي الخدمات
ثالثاً: واجبات الموظف التي تتعلق بالمحافظة على كرامة الوظيفة: فالموظف العام هو الاداة التي تؤدي رسالته عبر اتقان العمل المنوط به وفق لوائح وقوانين معمول بها بالجهة التي يعمل بها، وهو في هذه الحالة يتصل أو ينتمي للمرفق العام الذي يرمز إلى الدولة متمثلاً في الوزارات والمؤسسات والهيئات الاتحادية، فيجب عليه أن يحافظ على كرامة وظيفته، وان يتحلى بالأخلاق الحميدة والسلوك غير المنافي للعادات والتقاليد والنظام العام، والا يكون سلوكه مخلاً بالآداب العامة أثناء تأدية عمله سواء كان داخل الوظيفة أو خارجها، وان يكون سلوكه قويماً ومظهره حسناً يتفق ومكانة وظيفته التي يشغلها
رابعاً: الامور المحظور على الموظف العام القيام بها: فإن كل ما هو خارج عن القانون بشكل عام يعتبر مخالفاً ومحظوراً على العامة سواء بشكل خاص أو بشكل عام، فهو مكلف بعمل يقوم به بناء على تكليفه من رؤساؤه أو ما تلزمه اللوائح والقوانين المعمول بها في جهة عمله، مع الاخذ بعين الاعتبار ان كل ما تفرضه الوظيفة العامة على الموظف القيام به يحظر الامتناع عنه، وأوجب على المشرع بعبارة جلية أن الأمور التي حظرها ليست هي كل ما يحظر على الموظف اتيانه وانما هي صفة خاصة
تعتبر الوظيفة العامة من المسؤوليات التي تسعى لتحقيق المصالح العامة وهي الامانة العامة التي تقع على عاتق كل من يكلفون بالمهام فهي تكليف لتحقيق المصالح العامة في الدولة طبقاً للقوانين واللوائح المعمول بها في كل جهة إدارية، إذ أن الموظف العام يؤدي المهام المكلف بها والتي تتصل مباشرة بالوظيفة العامة والتي تسمى بالواجبات الايجابية أو يمتنع عن بعض الأعمال التي تعتبر من المحظورات عليه، ونتيجة لذلك يدخل الموظف في اشكاليات المخالفات التأديبية سواء أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها وجاء تعريف الموظف العام وفقاً للبند الثامن من المادة(1) من مرسوم قانون اتحادي رقم (11) لسنة 2008 بشأن الموارد البشرية في الحكومة الاتحادية (الموظف كل من يشغل احدى الوظائف الواردة في الميزانية)
فالوصول لمنصب قيادي يتيح للموظف صلاحيات واسعة وأحيانا بعيدة عن الرقابة في استغلال المنصب لأغراض كثيرة قد تكون غير قانونية أو شخصية تجسد صورة الملكية للمنصب الذي يفترض من خلاله أن يتم خدمة المواطن وتسهيل الحصول على حقوقه..!!احاول أن أطرح هذه القضية لنبحر معا سعيا للوصل لحل حقيقي وشفاف يتسع لجميع الآراء التي نريدها بقالب واقعي ورؤية موضوعية، قد يكون هناك أمور أخرى .. واستغلال آخر للوظيفة .. وللمنصب .. وللنفوذ .. لكنها في النهاية .. وباللغة البسيطة تعتبر فسادًا في العمل .. أو استغلالاً للوظيفة بغير وجه حق فاستغلال النفوذ الوظيفي أياً كان مصدره سواء كان حقيقياً أم وهمياً يؤدي إلى الإخلال بمبدأ العدالة الاجتماعية بين أفراد أي مجتمع ما وذلك حين يستخدم لتحقيق مصالح خاصة على حساب المصلحة العامة، مما يؤدى إلى انتشار الفساد الإداري والمالي الذي يقع على الوظيفة العامة؛ و برغم تميزها عن باقي جرائم الوظيفة العامة والمال العام، إلا أنه يمكن اعتبارها مدخلاً واسعاً لارتكاب مخالفات وظيفية ترقى لجريمة أخلاقية وذلك لما يحققه النفوذ الوظيفي من تأثير وقهر على من يمارس ضده بصورته السلبية ويمكن تعريف استغلال النفوذ الوظيفي ؛ بأنه الاستفادة من السلطة الوظيفية بصورة غير قانونية أو غير مشروعة وفقا لما منح له من صلاحيات أكسبته نفوذا بغير ما أراده المشرّع
فلقد وضع الإسلام أسسا وقواعد متينة لتولي وتقلد المناصب، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، هي مسؤولية وأمانة في نفس الوقت ، إذا أسيء استغلالها، تحولت إلى مصائب وكوارث تصيب صاحبها وتمتد آثارها إلى الشعوب والأوطان، فالمنصب تكليف ، لا يقدر عليه إلا أصحاب الهمم العالية والنفوس الشريفة الرفيعة التي تدرك جيدا أن المنصب وإن طال توليه، فهو زائل لا محالة، وأن المنصب هو الذي يسعى إلي الشخص ولا يسعى الشخص إليه
عندما تولى أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، الخلافة، قال: «أيها الناس: إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حسن فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فقوموني، أطيعوني، ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم، ألا إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له، وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه، وبعد تولي عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الخلافة قال: «اللهم إني شديد فليني، وإني ضعيف فقوني، وإني بخيل فسخني» وقال أيضا: «إذا رأيتم في اعوجاجا فقوموني» فقام رجل وقال لعمر: والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا، فقال عمر: «الحمد لله الذي جعل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يقوم عمر بسيفه» كما أن لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قولا مأثورا، حيث قال: «ويحك يا ابن الخطاب، لو عثرت دابة على شاطئ الفرات لسألك الله عنها لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق يا عمر؟
حين ولي عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه الخلافة، قدمت إليه مراكب الخلافة، فقال: «ما لي ولها؟ نحوها عني وقدموا لي دابتي، فقربت إليه، فجاء صاحب الشرطة يسير بين يديه بالحربة، فقال: تنح عني، ما لي ولك؟ إنما أنا رجل من المسلمين وأمر بالستور فرفعت، والثياب التي كانت تبسط للخلفاء فأمر ببيعها، وإدخال ثمنها بيت المال
فاستغلال المنصب أو المركز من قبل الأشخاص للحصول على معاملات أو تسهيلات وامتيازات خاصة، ما يتصل بوجود المنافسة الحقيقية وتكافؤ الفرص مع الآخرين، «هؤلاء المستغلين لمناصبهم» عن نوعية من الممارسات للتكسب الشخصي يصبح من الصعوبة بمكان وصفها إلا بالجريمة فالأمة التي لا أمانة فيها هي التي تهمل أصحاب الكفاءات والخبرات في تقلد المناصب، حيث تولي عليها من ليسوا أهلا لها، الذين يستحوذون ويتهافتون عليها، لتحقيق آمال وطموحات ومصالح ومنافع ومكتسبات ذاتية أو شخصية أو أسرية، وتكون النتيجة أن تتسبب هذه المناصب في جلب المصائب لهم ولشعوبهم وأوطانهم، حيث تعم الفوضى والاضطراب والفساد وأعمال النهب والسلب كما حرم الإسلام تحريما شديدا أن يستغل صاحب المنصب ، أيا كانت منزلته، منصبه لتحقيق مصالح ومنافع شخصية، فلقد بلغت العدالة والمساواة التامة في تولي المناصب والأعمال، بكل مستوياتها، شأنا عظيما في كل عصور الإسلام، لذا يقول صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته» كما أن التشريع الإسلامي أوجب على الولاة وأصحاب المناصب أن يستمعوا جيدا للكلمة الصادقة وللنقد والحوار البناء الهادف لمصالح العباد والبلاد، فقد ورد قول للخليفة علي بن أبي طالب، رضي الله عنه «أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن لك فيه هوى من رعيتك
وفي المادة ( 26) من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة ان الحرية الشخصية مكفولة لجميع المواطنين ولا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حجزه أو حبسه إلا وفق أحكام القانون ولا يعرض أي انسان للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة والمادة (27): يحدد القانون الجرائم والعقوبات ولا عقوبة على ما تم من فعل أو ترك قبل صدور القانون الذي ينص عليها والمادة(28) على أن " العقوبة شخصية والمتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية وعادلة، وللمتهم الحق في أن يوكل من يملك القدرة للدفاع عنه أثناء المحاكمة ويبين القانون الأحوال التي يتعين فيها حضور محام عن المتهم" والمادة (41): لكل انسان أن يتقدم بالشكوى إلى الجهات المختصة بما في ذلك الجهات القضائية من امتهان الحقوق والحريات
وتؤكد المادة ( 10 ) من قانون الاتحادي رقم ( 43 ) في شأن تنظيم المنشآت العقابية لسنة 1992 على أنه يحق لعضو النيابة العامة المختص دخول المنشآت العقابية في أي وقت وذلك للتأكد من تنفيذ القوانين واللوائح ، كما تنص نفس المادة على أنه لكل مسجون الحق في مقابلة عضو النيابة العامة أثناء تواجده بالمنشأة والتقدم إليه بالشكوى وعلى عضو النيابة العامة فحصها واتخاذ ما يلزم في شأنها وإخطار النائب العام بذلك ونصت المادة (242) من قانون العقوبات الاتحادي رقم (3) لسنة 1987 المعدل بالقانون الاتحادي رقم 34 لسنة 2005م على أن يعاقب بالسجن المؤقت كل موظف عام استعمل التعذيب أو القوة أو التهديد بنفسه أو بوساطة غيره مع متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو على الإدلاء بأقوال أو معلومات في شأنها أو لكتمان أمر من الأمور" ونصت المادة (243) من قانون العقوبات الاتحادي على ان "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل موظف عام عاقب أو أمر بعقاب المحكوم عليه بأشد من العقوبة المحكوم بها أو بعقوبة لم يحكم بها عليه، كما نصت المادة (244) من ذات القانون انه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز خمس سنوات كل موظف عام له شأن في إدارة أو حراسة إحدى المنشآت العقابية أو غيرها من المنشآت أو المؤسسات المعدة لتنفيذ التدابير الجنائية أو تدابير الدفاع الاجتماعي إذا قبل إيداع شخص في المنشأة أو المؤسسة بغير أمر من السلطة المختصة أو استبقاءه بعد المدة المحددة في هذا الأمر أو امتنع عن تنفيذ الأمر بإطلاق سراحه، كما نصت المادة (245) من قانون العقوبات يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة أستعمل القسوة مع أحد من الناس اعتمادا على سلطة وظيفته فأخل بشرفه أو أحدث آلاما ببدنه، كذلك نصت المادة (259) من قانون العقوبات "مع عدم الاخلال بحكم المادة (243) يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة و بالغرامة التي لا تجاوز خمسة آلاف درهم كل من استعمل التعذيب أو القوة أو التهديد، أو عرض عطية أو مزية من أي نوع أو وعدا بشيء من ذلك لحمل آخر على كتمان أمر من الأمور أو الإدلاء بأقوال أو معلومات غير صحيحة أمام أية جهة قضائية" وقد نصت المادة (344) من قانون العقوبات على أن "يعاقب بالسجن المؤقت من خطف شخصا أو قبض عليه أو حجزه أو حرمه من حريته بأية وسيلة بغير وجه قانوني، سواء أكان ذلك بنفسه أو بوساطة غيره، فاستغلال المنصب ليست ظاهرة محلية وإنما هي ظاهرة عالمية ولكن تختلف من بلد إلى آخر وحينما يتحدث الناس عن استغلال المناصب يقفز فورا الى أذهانهم الأساليب المعهودة لممارسة الفساد على مر العصور والأجيال من قبيل الرشوة والمحسوبية، والواسطة، وتجاوز القوانين والنظم المعمول بها، واستغلال المنصب العام لتحقيق مكاسب شخصية أو ضرر الغير، وتقع جريمة استغلال النفوذ على الوظيفة العامة وتكون بمقابل منافع أو مال أو اية امتيازات اخرى ومن منطلق المادة (66) يمكنا التطرق إلى
أولاً: السلوك الشخصي: حددت المادة(66) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (11 لسنة 2008) بشأن الموارد البشرية في الحكومة الاتحادية السلوك الشخصي للموظف على النحو التالي: على الموظف أن يسلك بتصرفاته مسلكا لائقاً يتفق ومعايير السلوك المعتمدة للوظائف العامة وعلى بصفة خاصة الالتزام باحترام القوانين والنظم واللوائح ذات الصلة بأداء الواجبات والمسؤوليات الوظيفية، أداء الاعمال المنوطة به بكل دقة وعناية ونزاهة بما يحقق أهداف ومصالح الوزارة التي يعمل فيها، ممارسة المهام الوظيفية بحسن نية متجرداً من سوء القصد أو الاهمال أو مخالفة المرسوم بقانون أو الاضرار بالمصلحة العامة، تقديم الخدمات المتميزة لجميع العملاء بأسلوب مهني متزن يتصف بالود وحب المساعدة، التصرف بطريقة تحافظ على سمعة الحكومة بشكل عام والجهة التي يعمل بها بشكل خاص، التقيد بأرفع المعايير الاخلاقية في سلوكه وتصرفه، احترام حقوق وواجبات زملاء العمل ومعاملتهم بكل لياقة، استخدام الاموال العامة بما تفرضه الامانة والحرص وتجنب الهدر، عدم استغلال المعلومات التي يحصل عليها خلال تأدية واجباته الوظيفية
ثانياً: واجبات الموظف العام المتعلقة بمهام عمله أو المكلف به: يجب على الموظف أن يؤدي العمل المنوط به بالدقة المطلوبة والأمانة، وبالدقة التي يبذلها موظف مثله في الدرجة والظروف ذاتها التي تؤدي فيها الموظف عمله، وعليه الانتظام في الحضور إلى مقر عمله وأن ينصرف في المواعيد المحددة لذلك، والا يغادر مقر عمله الا وفق الاجراءات والضوابط المقررة في هذا الشأن، وتزداد هذه الاهمية إذا كان المرفق الذي يعمل فيه الموظف يتردد عليه افراد الجمهور من طالبي الخدمات
ثالثاً: واجبات الموظف التي تتعلق بالمحافظة على كرامة الوظيفة: فالموظف العام هو الاداة التي تؤدي رسالته عبر اتقان العمل المنوط به وفق لوائح وقوانين معمول بها بالجهة التي يعمل بها، وهو في هذه الحالة يتصل أو ينتمي للمرفق العام الذي يرمز إلى الدولة متمثلاً في الوزارات والمؤسسات والهيئات الاتحادية، فيجب عليه أن يحافظ على كرامة وظيفته، وان يتحلى بالأخلاق الحميدة والسلوك غير المنافي للعادات والتقاليد والنظام العام، والا يكون سلوكه مخلاً بالآداب العامة أثناء تأدية عمله سواء كان داخل الوظيفة أو خارجها، وان يكون سلوكه قويماً ومظهره حسناً يتفق ومكانة وظيفته التي يشغلها
رابعاً: الامور المحظور على الموظف العام القيام بها: فإن كل ما هو خارج عن القانون بشكل عام يعتبر مخالفاً ومحظوراً على العامة سواء بشكل خاص أو بشكل عام، فهو مكلف بعمل يقوم به بناء على تكليفه من رؤساؤه أو ما تلزمه اللوائح والقوانين المعمول بها في جهة عمله، مع الاخذ بعين الاعتبار ان كل ما تفرضه الوظيفة العامة على الموظف القيام به يحظر الامتناع عنه، وأوجب على المشرع بعبارة جلية أن الأمور التي حظرها ليست هي كل ما يحظر على الموظف اتيانه وانما هي صفة خاصة