المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 24 نوفمبر 2024
أ.د. منى كامل تركي
أ.د. منى كامل تركي

عن أ.د. منى كامل تركي

أستاذ القانون الدولي العام -نائب مدير مجلة القانون والاعمال الدولية مختبر البحث قانون الاعمال جامعة الحسن الاول ومحكم دولي

الإكراه والضرورة في تحديد المسؤولية الجنائية

المسؤولية الجنائية عبارة عن التزام قانوني يتحمل التبعة ٬ أي التزام جزئي وهي التزام تبعي اذ تنشا بالتبعية لالتزام قانوني اخر وهو الالتزام الاصلي من اجل حمايته من عدم التنقيد و لضمان الوفاء الاختياري به، وان صور القاعدة التجريمية عبارة عن واقعة قانونية منشاة لعلاقة يكون طرفها الاول الدولة ٬ والثاني الفرد٬ تؤهل كل منهما لان تنشا له حقوق والتزامات متبادلة ٬ فتنشأ القاعدة على عاتق الفرد التزام اصلي يكون موضوعه الامتناع عن سلوك ٬ أو الامتناع عن تحقيق واقعة معينة حددتها تلك القاعدة في صورة التزام عام ٬ ويستمد مصدره من النص الجنائي في الشق الذي يحدد ما هو محظور، كما ان الحقوق و الالتزامات الاصلية المتبادلة بين الدولة والفرد انشأتها قاعدة قانونية تجريبية سرعان ما تتحول الى جانب المسؤولية الجنائية اذا خل الاطراف بالتزامه فيها فاذا كان هو الذي ارتكب السلوك المحظور وحقق الواقعة المجرمة تولد التزامه بتحمل العقوبة اي نشأت مسؤولية الجنائية فيتضمن الجزاء عقوبتين العقوبة وهي وسيلة لمنع الاجرام تتميز بعنصر الايلام ٬ والتدبير الاحترازي او الوقائي وهو وسيلة للعلاج اكثر من الايلام.

ويترتب إلى الأخذ بحالة الضرورة جملة من الآثار الجناية والآثار المدنية وتختلف هذه والآثار تبعا للاختلاف حول طبيعتها القانونية، وقد أثارت حالة الضرورة جدلا واسعا في الفقه والقضاء وكذلك التشريع، وتحدد النصوص القانونية التي تعاقب على جريمة معينة ، الأفعال المكونة لها، وتحدد العقوبة المناسبة لتلك الأفعال حسب درجة خطورتها، إعمالا بمبدأ الشرعية ، حيث لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص القانون ، فلا يمكن معاقبة شخص على أفعال لم يجرمها المشرع، وبالمقابل فان إتيان شخص بأفعال جرمها المشرع يخضع للعقاب الذي قرره المشرع لهذه الجريمة غير أنه وبما أن الجاني هو مصدر الجريمة، وفي شخصه مكمن الخطورة وفق الأفكار الفلسفية التي تبناها القانون الجنائي، والتي تقرر بأن الجاني قد يرتكب الجريمة تحت تأثير عوامل متعددة ، منها ما يتصل بتكوينه النفسي والعقلي ومنها ما يتصل بمحيطه البيئي والاجتماعي ، وهي عوامل تختلف من شخص لأخر ، وجب أخذ هذه العوامل بعين الاعتبار عند توقيع العقوبة إعمالا بمقتضيات العدالة
إن حالة الضرورة وضع حياتي قديم في البشرية ، قدم الإنسان والتاريخ ، برزت معهما ، وترافقت وإياهما، ظاهرة ونتيجة لغريزة البقاء، في الحفاظ على النفس وعلى الملك وعلى الغير وقد تعرّضت جميع الأعراف والشرائع والأنظمة الجزائية القديمة إلى حالة الضرورة ، فنصّت عليها ، كما أن التشريعات المعاصرة احتوتها صراحة، وكانت الصين أول بلد كرّس نظرية ممارسة حق غير مشروع أصلاً في مجالات الاضطرار إلى ذلك، خاصة لجهة جرائم السرقة والسلب المرتكبة في حالات المجاعة والقحط

وقد أعطت الشريعة الإسلامية الحق لكل إنسان في التهرب من الخطر الذي قد يلحق به بشرط أن لا يسيء إلى غيره بإنزال الضرر فيه، وذلك من باب التيسير والتوسعة على عباد الله ، وقد استند الفقهاء في ذلك إلى قوله تعالى: إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير الله ، فمن اضطر غير باغ ولا عاد ، فلا إثم عليه حالة الضرورة في التشريعات الحديثة و تمييزها عن الحالات المشابهة لها واختلف الفقه بشأن حالة الضرورة، فمنهم من اعتبرها مانع من موانع المسؤولية الجزائية ومنهم من اعتبرها كسبب من أسباب الإباحة ومنهم من اعتبرها غير ذلك فجعلها مانع من موانع العقاب

كما اتاح ذلك في قانون العقوبات رقم 3 لسنة 1987 والمعدل في 2006 والمعدل بالمرسوم بقانون رقم 7 لسنة 2016 مادة (64) إن حالة الضرورة في الشريعة الإسلامية تعطي الحق لكل إنسان في التهرب من الخطر الذي قد يلحق به بشرط أن لا يسيء إلى غيره بإنزال الضرر فيه وذلك من باب التيسير والتوسعة على عباد الله ، وقد استند الفقهاء في ذلك إلى قوله تعالى إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير الله ، فمن اضطر غير باغ ولا عاد ، فلا إثم عليه، وقوله تعالى وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم ، إلاّ ما اضطررتم إليه وقوله صلى الله عليه وسلم عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما اضطروا إليه

وقد وضع الفقهاء استناداً إلى هذه الآيات والأحاديث الشريفة قاعدة الضرورات تبيح المحظورات
فإذا وجد الإنسان نفسه في حالة تحتم عليه ارتكاب فعل لم يكن يريده أصلاً، إنما اضطر إليه بسبب ظرف لا يستطيع دفعه إلاّ بالجريمة، سواءً كان مصدر هذا الظرف من فعل الإنسان أو الحيوان أو الطبيعة ، فلا لوم عليه لأن الضرورات تبيح ارتكاب المحرمات والمحظورات ، حتى لو كان في ذلك ما يخالف شرع الله نفسه ، كرفع فريضة الصيام عن المريض والمسافر

وعرفت حالة الضرورة بتعريفات عدة التفت في معظمها في المعنى والمضمون أو إن اختلفت في بعض النقاط تبعا للاختلاف لطبيعتها وتكييفها القانوني، فمنهم من جعلها صورة من صور الإكراه المعنوي بأن يجد الانسان نفسه في ظروف تهدد بخطر لا سبيل إلى تلافيه إلا بارتكاب جريمة فهي تتفق مع الإكراه المعنوي في أن الجاني لا يجد سبيلا إلى الخلاص إلا بارتكاب جريمة، ولكنها تختلف عنه في أن الجاني يسلك سلوكه الإجرامي من تلقاء نفسه دون أن يلجئه إليه أحد

ففي قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لسنة 1987 والمعدل بالقانون رقم 52 لسنة 2006 نصت المادة(64) على انه لا يسأل جنائيا من ارتكب جريمة ألجأته إليها ضرورة وقاية نفسه أو ماله أو نفس غيره أو ماله من خطر جسيم على وشك الوقوع ولم يكن لإرادته دخل في حلوله كما لا يسأل جنائيا من ألجئ إلى ارتكاب جريمة بسبب إكراه مادي أو معنوي ، ويشترط في الحالتين المنصوص عليهما في الفقرتين السابقتين ألا يكون في قدرة مرتكب الجريمة منع الخطر بوسيلة أخرى وأن تكون الجريمة بالقدر الضروري لدفعه ومتناسبة معه ومنهم من يرى أنها من النظم القانونية العامة كحق الدفاع الشرعي، واعتبر البعض أن حق الدفاع الشرعي لا يعدو أن يكون حالة خاصة من حالات الضرورة الواسعة، وعلى هذا عرفت بأنها الحالة التي يجد فيها الإنسان نفسه أو غيره مهددا بضرر جسيم على وشك الوقوع، فلا يرى سبيلا لخلاص إلا بارتكاب الفعل المكون للجريمة

واختلفت التعريفات تبعا لاختلاف القوانين الوضعية في أخذها للنفس دون المال أو النفس والمال معا لقيام حالة الضرورة، فمتى أخذ القانون بالنفس دون المال فإنها تعرف بأنها الحالة التي تحيط بشخص وتدفعه إلى ارتكاب الجريمة ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشوك الوقوع به أو بغيره ولم تكن لإرادته دخل في حلوله على أن تكون هذه الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر الحال به فهنا اقتصرت الضرورة على الخطر المهدد للنفس، سواء نفسه أو نفس غيره أو ملكه أو ملك غيره من خطر جسيم محدق فجمع التعريف بين الخطر المهدد للنفس والمال معا

فهي الحالة التي يضطر فيها الإنسان إلى ارتكاب جريمة الضرورة درء لخطر أو ضرر جسيم يوشك أن يقع، كل ذلك دون أن يفقد قدرته على الاختيار فقدا تاما بل يبقى له فسحة وإن ضاق نطاقها لاستغلال إرادته واختيار مسلكه بحيث لا يكون بمقدرته لو أراد أن يختار الإحجام عن ارتكاب الجريمة تاركا الخطر المحدق يبلغ نهايته الوبيلة فلا يفقد الشخص إرادته وإنما يضيق مجال اختيارها إلى أدنى حد، في حين قد تقوم حالة الضرورة دون أن تؤثر على إرادة الفاعل، كالطبيب الذي يجري عملية جراحية لشخص ألجأته إلى إجرائها حالة الضرورة دون الحصول على إذن هذا الشخص، فهنا تحقق فعل الضرورة ولم يكن الخطر محدقا بالشخص نفسه أو مؤثرا على إرادته
وهي ظرف خارجي ينطوي على خطر يحيط بالإنسان فيرغمه على تضحية حق بآخر وقاية لنفسه أو لغيره، ولم يكن له دور في حلوله ،وليس له القدرة على منعه بطريقة أخرى ، ولا يشترط أن يتساوى الحقان ، فقد يغلب أحدهما الآخر، كالمرأة التي تسرق رغيف خبز لتنقذ طفلها الصغير، فحق الصغير في الحياة لا يقارن برغيف خبز، وكرجل المطافئ الذي يكسر شباك بيت ليتسلق منه إلى شقة يندلع فيها الحريق لإخماده ، فإخماد الحريق أسمى من الشباك وفي حالة تساوي الحق تنتفي إمكانية تفضيل أحدهما على الآخر كاثنين معلقين على خشبة في عرض البحر فيقذف أحدهما بالآخر لينجو من الغرق
 0  0  22.9K