سيرة محمد سعيد بامهيررحمه الله
عمر طاهــر زيلع :
**أعود الى الذاكرة وبعض اﻷخوة في الحديث عن الشيخ : محمد سعيد بامهير رحمه الله تعالى . كان له متجر في سوق جازان الداخلي في جنوبه ..ولكنه كان بأخلاق النبلاء ؛ شهما سخيا محبا للحياة والناس ومضيافا طوال عمره . شغلته أزمة المياه في مدينة جازان فسخر من أجل حلها نفسه وماله بروح تتحدى الصعاب . استقدم مهندسا ايطاليا اذا لم تخني الذاكرة وبدأ التنقيب في منتصف عام 1371ه تقريبا في مواقع عديدة منها ضواحي جازان .
* * * وقرية منسية بين صبيا وجازان على الطريق الساحلي القديم فلم يجد ضالته الا في الماطري الذي لايزال حتى الآن مصدر مياه جازان وما حولها . بعد مكابدات شتى وجهود مضنية أتت على كل مايملك وصل الماء المبارك الى جازان سنة :1373 تقريبا عبر صنبور تم تركيبه أسفل التلة التي يقع عليها الآن مبنى إمارة جازان من الجهة الشمالية شرق المطلع ويومها عمت الفرحة جازان العطشى في زمن لم تصل فيه المياه الى معظم عواصم البلاد . وفي عام 1374 جاء الملك سعود رحمه الله الى المنطقة زائرا وتم افتتاح المشروع في ساحة الميدان شمال بيت الشيخ مقبل رحمه الله في حفل كبير حضرته جازان بقضها وقضيضها والقيت فيه الكلمات والقصائد .كان الشيخ بامهير قد أوشك على بيع فلته الوحيدة التي شيدها على مرتفع الكدوه أو الجبل اﻷحمر الذي عليه اﻵن استراحة السلوى لابن محفوظ ...ورغم ذلك فقد شرع يفكر في مشروع الكهرباء والثلج والملح فلم تسعفه الظروف .
* * * *ليلة رحيله بكته جازان كلها صغارها وكبارها ورثاه شعراؤها بحزن شديد وعواطف صادقة ؛ تحضرني منها الآن أبيات من قصيدة محمد بن علي السنوسي رحمه الله ...بلغته وفاة بامهير وهو في الطائف :
"قيل لي مات (بامهير ) فصبرا ... فاستطار الفؤاد حزنا وذعرا.
راعني روعة كأني لم اسمع ...بميت ولم أزر
قط قبرا.
واستفاض اﻷسى يمزق أحشائي..
وروحي ويعصر القلب عصرا.
فمللت المقام في ( الطائف ) الحلو...
وضاق الفضاء روضا وزهرا.
فقدته البلاد أحوج ماكانت ...اليه فضلا
ونبلا وفكرا.
عظم الله أجر (جازان) فيه ...فهو فيها من أعظم الناس أجرا .
جاءها تاجرا فما صر دينارا ...
ولا كدس الخزائن تبرا.
بل أتاها و(الماء) مأساتها الكبرى...
فعبى لها الجهود وكرا.
خاض من أجلها الصعاب ولم يهدأ ...
وقاسى لها من العيش مرا.
رجل عاش للحقائق واﻷعمال ...
والصالحات سرا وجهرا.
عاش يستهدف العظائم والدنيا...
حواليه تمﻷ الدهر سخرا.
فلئن مات (بامهير) فما ماتت ..
مزاياه وهي كالورد عطرا.
سوف يبقى على الزمان وإن جار..
عليه الزمان ظلما ونكرا.
ياصديقي ما كان أعظم رزئي...
بك في رحلتي غدوا ومسرى. الى ان يقول السنوسي في آخر القصيدة التي بلغ عدد أبياتها :23
"والعظيم العظيم من ترك الناس حيارى
وعاش كاللغز سرا.
فسقى قبرك السحاب غزيرا...
وهمى رحمة عليك وغفرا."
لقد صدق السنوسي فهاهي جازان على مدى اكثر من ستين عاما تستقي من النبع الذي فجرته همة بامهير بتوفيق الله . نتمنى من الجهات المعنية ان تجدد ذكرى الشيخ بامهير بمعلم بارز ..ونرجو من رجال اﻷعمال في المنطقة أن يتركوا قبل رحيلهم بصمات مضيئة والله المستعان .