المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الجمعة 27 ديسمبر 2024
أ.د. منى كامل تركي
أ.د. منى كامل تركي

عن أ.د. منى كامل تركي

أستاذ القانون الدولي العام -نائب مدير مجلة القانون والاعمال الدولية مختبر البحث قانون الاعمال جامعة الحسن الاول ومحكم دولي

الفرق بين الحدث الجانح والحدث المعرض للجنوح في النظام الجنائي الخاص بالأحداث في دولة الإمارات العربية المتحدة

استكمالاً بموضوعنا عن النظام الجنائي الخاص بالأحداث في دولة الإمارات العربية المتحدة نوضح اليوم الفرق بين الحدث الجانح والحدث المعرض للجنوح

الفرق بين الحدث الجانح والحدث المعرض للجنوح ان الجنوح، هو احدى صورتي الانحراف وهما انحراف جنائي، والمعرض للجنوح هو انحراف يؤدي الى الجنوح، بالإضافة الى ان التشريعات الاتحادية، لم تميز بين حالات الانحراف الاجرامية وبين حالات التشرد اي التعرض للجنوح فجمع بينهما في قانون واحد وهو قانون الاحداث المشردين ونص على اعتبار الحدث مشرداً اي معرضاً للجنوح اذا وجد متسولا أو مارس جمع اعقاب السجاير أو قام بأعمال تتصل بالدعارة أو الفسق او فساد الاخلاق او القمار وهذه الافعال تدخل في عداد الجرائم بالإضافة الى ان حالات التشرد هي حالات تعرض للجنوح او الخطورة الاجتماعية كما اذا خالط المشردين والمشتبه فيهم أو كان مارقاً من سلطة ابيه او ليس له محل اقامة أو كان يبيت في الطرقات أو لم تكن له وسيلة مشروعة للعيش، في بعض التشريعات العربية، تم الجمع بين حالة التشرد والتسول، مع حالة الخطورة الاجتماعية واعتبرتها كدليل عليها ، كما ان هناك تشريعات عربية اخرى افردت لكل منهما نصا خاصاً والعلة في التفريد او الجمع ترجع الى التدابير المقررة وهي مسألة ذات ابعاد اجتماعية وانسانية تظهر اثرها في المجتمعات التي تشكو من اهمال وتسييب الاطفال من قبل المسؤولين عنهم شرعاً وقانوناً وقد نصت المادة (3) من قانون الاحداث الاتحادي رقم 9 لسنة 1976 على ان تحسب السن في تطبيق احكام هذا القانون بالتقويم الميلادي وكما نص في المادة (4) ان تتخذ في شأن الاحداث الجانحين والمشردين اي المعرضين للجنوح التدابير المقررة في هذا القانون

ونجد حالات الخطورة الاجتماعية في قانون الاحداث الاتحادي رقم 9 لسنة 1976 نص عليها المشرع في المادة 13 منه وقد وقع المشرع الاماراتي في الخطأ حينما نص على مصطلح ( باعتبار الحدث مشردا) كما وقعت بعض التشريعات العربية في نفس الخطأ باستعمالها مصطلح التشرد والتسول وخلطتها مع الخطورة الاجتماعية أو حالات التعرض للجنوح ويميزها عن غيرها من الحالات كالتشرد والتسول وتعاطي الدعارة ويخصها بالتدابير المناسبة لها فالاقتصار على مصطلح التشرد، هو حالة من حالات الخطورة الاجتماعية بالإضافة الى ذلك ان التشرد والتسول الى ان التشرد والتسول لا يكشف ولا يقوم مقام مصطلح الخطورة الاجتماعية أو التعرض للجنوح، وانه لمن المستحسن ان يقوم المشرع الاتحادي بتعديل هذا النص والذي نقترحه (( تتوافر الخطورة الاجتماعية للحدث اذا تعرض للجنوح في اي حالة من الحالات الاتية التشرد والتسول......)) اسوة بقانون مملكة البحرين رقم 17 لسنة 1976 في المادة(2) او قانون الاحداث المصري رقم 31 لسنة 1974 في المادة (2) او قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996 في المادة (96) لذا نأمل ان يأخذ المشرع الاتحادي بالنص المقترح منا لتميز مصطلح الخطورة الاجتماعية عن مصطلح الخطورة الاجرامية وانسجاما مع سياسة التشريعات الحديثة ومسايرة لأحكام واهداف الاتفاقيات الدولية الخاصة بشؤون الاحداث الجانحين والمعرضين للجنوح.

وقد نصت المادة رقم (13) : يعتبر الحدث مشردا فى الحالات الآتية : 1-اذا وجد متسولا. ويعد من اعمال التسول عرض سلع تافهة أو ممارسة اعمال لا تصلح موردا جديا للعيش......... ، اما الانحراف فهو الخروج عما تواضع عليه المجتمع السليم من قيم روحية ودينية وتقاليد مرعية وعادات حسنة صار لها بحكم تمكنها فيه وتمكنها منه مزيدا من القداسة بوصفها مقومات ملتصقة بوجوده وملتحمة به بحيث لا يفهم معني العيش بدونها ان التحديد التشريعي قد تناولته القوانين المقارنة لصور مفهومي التشرد والانحراف مختصرة تحت عناوين مختلفة فبعض القوانين العربية تطلق عليه تعبير ( الخطورة الاجتماعية) على سبيل المثال المادة (2) من قانون الاحداث البحريني والمادة (2) من قانون الاحداث المصري على اساس ان الخطر الذي ينبغي الوقاية منه ومكافحته ينقسم بصفة عامة الى قسمين خطر اجرامي او خطورة اجرامية وتستخلص هذه الحالة من ارتكاب الشخص لجريمة من الجرائم المنصوص عليها في القانون ويجازي عليها مرتكبها بالعقوبة، وخطر اجتماعي او (خطورة الاجتماعية) وتستخلص من حالة الفرد قبل ارتكابه للجريمة كالتشرد والتسول وانحراف السلوك ويجازي عليها صاحبها بالتدبير
وتطلق عليها تشريعات عربية اخرى ( التشرد) المواد (13/1) من قانون الاحداث الجانحين والمشردين رقم (9) لسنة 1976 والمادة (31) من قانون الاحداث الاردني رقم (24) لسنة 1986 والمادة (38) من قانون الاحداث المشردين الليبي لسنة 1995 والمادة (2) من قانون رعاية الاحداث السوداني لسنة 1983 اما قانون الاحداث الكويتي فيطلق عليها تعبير( التعرض للانحراف ) المادة (1/ج) من قانون الاحداث الكويتي رقم 3 لسنة 1983 في حين تناولها المشرع التونسي في مجلة حماية الطفل رقم (92) لسنة 1995 ضمن الحلات التي عبر عنها بأنها ( تهدد صحة الطفل وسلامته البدنية ) فجاءت تحت عنوان حماية ( الطفل المدد) الفصل (20) من مجلة حماية الطفل التونسية رقم (92) لسنة 1995 فقانون الاحداث العراقي يفرق بين حالات ( التشرد) وحالات ( انحراف السلوك) المادتين ( 23 و 24) من قانون الاحداث العراقي رقم 76 لسنة 1983 المعدل ومرسوم حماية الاحداث اللبناني يفرق بين حالات ( التعرض للانحراف ) وحالات ( التشرد والتسول) المادتين (26 و27) من مرسوم حماية الاحداث اللبناني رقم (139) لسنة 1983 في حين قانون الاحداث القطري وقانون الاحداث اليمني بين حالات( التعرض للانحراف) وحالات ( الخطر الاجتماعي) المادتين (1 و2) من قانون الاحداث القطري رقم (1) لسنة 1994 المعدل والمادتين( 3 و4) من قانون رعاية الاحداث اليمني رقم (24) لسنة 1992 اما قانون الاحداث السوري فقد تناول هذه الحالات بدرجها في القانون دون ان يضع لها عنوانا جامعا المادة (27) من قانون الاحداث السوري رقم (18) لسنة 1974 غير اننا مع ذلك نرى ان خطورة المجرم لا تقاس دائما بالعقوبة المقررة لجريمته كما نص القانون بل ان الخطورة الاجرامية ينبغي ان يؤخذ في سياستها بالحسبان ظروف ارتكاب الجريمة وظروف مرتكبها الشخصية .

ان جميع المسميات التشرد وانحراف السلوك والتعرض للانحراف او اية تسمية اخرى لتلك الحالات ما هي الا ظواهر اجتماعية ذات دلالة خطرة على الصغير او الحدث قد تدفعه الى ارتكاب الجريمة وهذه الدلائل لا تشكل بذاتها جريمة يعاقب عليها القانون ولكنها عبارة عن حالة افصحت عنها وقائع لابد من توافرها لكي يمثل الصغير او الحدث امام الجهات القضائية المختصة التي بدورها تتخذ قبله تدابير محدودة لوقايته من خطر الانزلاق في مهاوي الجريمة فقد تكون الجريمة المرتكبة من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام غير ان الحدث (الشريك) كان قد استقل واستدرج للمشاركة دون ان يعي خطورة المشاركة فالشريك بالجريمة بعمل من اعمالها يضنه بسيطاً ومثاله تكليف الحدث بإخبار الجناة عند قدوم الضحية واحياناً قد يكون دور الحدث في الجريمة اصلياً ، كما لوكان احد المشاركين الفعليين في تنفيذ العمل الارهابي وكذلك تبدو الخطورة الاجرامية كبيرة عند ارتكاب الحدث الجانح لجرائم ارهابية متعددة ... لذلك نعتقد ان السياسة الجنائية الصائبة والتي ينبغي ان تكون عليها في معالجة جنوح الاحداث والحد من ظاهرة الجنوح

فالخطورة الإجرامية هي حالة نفسية، أي مرتبطة بالجانب النفسي للفرد، أن الخطورة عبارة عن شذوذ نفسي، ويكون الشخص خطرا بقدر ما يتوافر لديه من الشذوذ في حالته النفسية ، ويطلق على هذا النوع من الشذوذ تسمية ( الشذوذ النفسي الخطر ) تمييزا له عن الشذوذ الذي لا يفضي إلى تكوين الشخصية الإجرامية، إذ قد يتوافر لدى الشخص نوع من الشذوذ النفسي الذي لا يؤدي إلى تكوين ميل أو استعداد إجرامي عنده، مما لا يجعل هناك مجال للقول بتوافر خطورة إجرامية لديه وعلى ذلك، فإن الحالة النفسية التي تتصف بشذوذ ما لا تعتبر دائما مرادفة لحالة الخطورة، إلا انها يمكن أن تعد كواحدة من العوامل التي قد تسبب الخطورة الإجرامية والخطورة الإجرامية عبارة عن مجموعة من العوامل اذا ما اجتمعت معا فسوف تؤدي إلى نشوء حالة الخطورة، وهذه العوامل (الشخصية والموضوعية) هي عوامل مؤثرة، وان كانت ليست هي في حد ذاتها جوهر الخطورة الإجرامية، إلا أنها تساهم في خلق هذه الحالة لدى الشخص ان الخطورة الإجرامية ما هي إلا حالة أو صفة تتعلق بالفرد الذي تتوافر لديه جوانبها، وهي تنشأ نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل الشخصية مع عوامل اخرى موضوعية، تسهم معا في خلق هذه الحالة أو الصفة الشخصية التي تسمى بـ " الخطورة الإجرامية وعليه، فإن جوهر الخطورة الإجرامية يرجع إلى تغلب الدوافع التي تجعل لدى الفرد ميلا إلى ارتكاب الجريمة على الموانع التي ترده عنها، أو هي نقص في المانع و افراط في الدفع والذي يقوي الدافع ويضعف المانع، هو مجموعة العوامل النفسية والبيئية المحيطة بالفرد والتي من شأنها ابراز فكرة الخطورة الإجرامية لديه، ونتيجة لذلك، فقد يظهر لدى الفرد ميل عام لارتكاب الجريمة أيا كان نوعها، فتكون الخطورة عندئذ هي خطورة إجرامية عامة، كما قد يظهر لدى الفرد ميل نحو ارتكاب جرائم معينة، أو نوع معين من الجرائم، فتوصف الخطورة الإجرامية عندئذ بأنها خطورة خاصة واذا ما ظهر لدى الفرد خطورة إجرامية من اي نوع، فلا يشترط لتوافر هذه الخطورة أن تكون الجريمة أو الجرائم التي يحتمل ارتكابها مستقبلا على درجة معينة من الجسامة ومع ذلك، فإن درجة جسامة الجريمة يمكن أن تدلل على درجة الخطورة لدى الفرد والخطورة الإجرامية، كحالة أو صفة يوصف بها الشخص، تختلف عن الجريمة كواقعة أو كفعل إرادي يدخل تحت طائلة التجريم، إلا أن هذا لا يعني عدم وجود رابطة بينهما، فمما لا شك فيه أن وقوع الجريمة يعد إمارة قوية تدل على توافر الخطورة، وهو بمثابة دليل قوي على وجود الاستعداد الجرمي عند مرتكب هذه الجريمة مما يدل على وجود خطورة لديه، إلا أن مثل هذا الربط بين الخطورة الإجرامية والجريمة ليس حتميا فارتكاب الجريمة ليس دليلا مطلقا على توافر الخطورة، كما أن عدم ارتكاب الجريمة ليس دليلا مطلقا على عدم وجود الخطورة، وعليه، فإنه لا يلزم أن ينحصر وجود الخطورة الإجرامية فيمن سبق لهم بالفعل أن اقترفوا الجريمة دون سواهم، إذ أن هذه الخطورة قد تتوافر حتى فيمن لم يرتكب الجريمة بعد، ما دام أن وقوعها كان أمرا محتملا وفقا لما تدل عليه بعض المؤشرات والمعطيات والظروف القائم كالحالة النفسية للشخص، وظروفه وبيئته الاجتماعية

وينبغي التأكيد على أن توافر الخطورة الإجرامية يرتبط باحتمال ارتكاب الشخص لجريمة مستقبلا، فإذا كان موضوع الاحتمال هو اقدام هذا الشخص على سلوك ضار، أو على سلوك لاحق مناف للأخلاق ولكنه لا يشكل جريمة من الجرائم، فالخطورة الإجرامية لا تقوم، لأن الخطورة هي احتمال ينصرف إلى شخص باعتباره سيرتكب جريمة مستقبلية، أكثر من كونها احتمال ينصرف إلى اتيان سلوك سيء أو غير اخلاقي، مما لا يعد جريمة وفي كل الأحوال، فإن شخصية المجرم هي دائما المحور الأساسي الذي يعتمد عليه العلم الجنائي لتحديد توافر الخطورة الإجرامية، فموطن الخطورة هو شخص المجرم وليس مجرد واقعة أو وقائع مادية معينة ويجب أن نميز بين الجريمة السابقة التي صدرت عن المجرم والجريمة التالية التي يحتمل اقدامه على ارتكابها، فالأولى قرينة على توافر الخطورة ويستمد القاضي منها ومن ظروفها جانبا من الأدلة على الاحتمال الذي تقوم به الخطورة، أما الثانية فهي موضوع الاحتمال، أي هي الموضوع الذي تنصرف اليه الادلة المستخلصة من الجريمة السابقة كما أن الجريمتين بينهما فارق جوهري آخر، فالجريمة الأولى معينة، لأنها قد ارتكبت بالفعل اما الثانية فهي غير معينة لأنها لم ترتكب بعد، والاقدام على اقترافها هو مجرد احتمال وتتفق الخطورة الإجرامية مع النزعة الإجرامية في وجوب الاعتداد بالجريمة المرتكبة، فهما تعبران عن مضمون واحد وهو الحالة النفسية للجاني، واذا كانت النزعة الإجرامية هي استعداد الشخص لمخالفة القواعد التجريمية، فإن الخطورة الإجرامية تكمن في هذا الاستعداد

ولأن الخطورة الإجرامية حالة أو صفة تنشأ نتيجة تفاعل عوامل معينة، فلا بد من تحديد معنى " الحالة " وبيان طبيعتها القانونية، فالحالة هي نظام قانوني ينظم أحوال طائفة من الأشخاص في المجتمع، وحين يخص قانون العقوبات طوائف معينة من الاشخاص في المجتمع مثل الجانحين بمعاملة جزائية خاصة تنفيذا لسياسة جنائية هدفها حماية المجتمع من ظاهرة الجريمة واصلاح المجرم فإن مثل هذا التنظيم القانوني يعد حالة قانونية جنائية

وقد ذهب بعض الفقه أن حالة الخطورة ترتب اثاراً قانونية، إذ يضع المشرع نصوصا تعالج هذه الخطورة، وتكون هذه النصوص آمرة بحيث لا يجوز مخالفتها، بل أن مخالفتها توصف بعدم المشروعية بينما يذهب جانب آخر من الفقه إلى نفي صفة عدم المشروعية عن الخطورة الإجرامية، على أساس انها لا تعتبر واقعة مخالفة للقانون، إذ انها مجرد " حالة " ووصف عدم المشروعية لا يجوز أن يطلق إلا على سلوك انساني، فلا يتصور مخالفة النصوص القانونية إلا عن طريق سلوك إرادي يأتيه الفرد، اما الخطورة الإجرامية فهي مجرد حالة أو صفة قانونية مجردة من اعتبارات المشروعية أو عدم المشروعية، ومعنى هذا أن لا تلازم بين فكرة الخطورة وفكرة عدم المشروعية وانه لمن المستحسن ان يقوم المشرع الاتحادي بتعديل هذا النص والذي نقترحه (( تتوافر الخطورة الاجتماعية للحدث اذا تعرض للجنوح في اي حالة من الحالات الاتية التشرد والتسول......)) اسوة بقانون مملكة البحرين رقم 17 لسنة 1976 في المادة(2) او قانون الاحداث المصري رقم 31 لسنة 1974 في المادة (2) او قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996 في المادة (96) لذا نأمل ان يأخذ المشرع الاتحادي بالنص المقترح منا لتميز مصطلح الخطورة الاجتماعية عن مصطلح الخطورة الاجرامية وانسجاما مع سياسة التشريعات الحديثة ومسايرة لأحكام واهداف الاتفاقيات الدولية الخاصة بشؤون الاحداث الجانحين والمعرضين للجنوح.
 0  0  125.2K