المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 4 مايو 2024
أ.د. منى كامل تركي
أ.د. منى كامل تركي

عن أ.د. منى كامل تركي

أستاذ القانون الدولي العام -نائب مدير مجلة القانون والاعمال الدولية مختبر البحث قانون الاعمال جامعة الحسن الاول ومحكم دولي

النظام الجنائي الخاص بالأحداث في دولة الإمارات العربية المتحدة

إن مشكلة انحراف الأحداث كانت ولا تزال على مر العصور مثار جدل مستمر بين الباحثين في مختلف فروع العلوم الإنسانية والاجتماعية والقانونية فقد بلغت تلك المشكلة مداها بسبب تناولها من عدة علوم مثل العلوم الإنسانية والعلوم الجنائية وعلم السياسة الجنائية وإن معظم تلك الدراسات والأبحاث كان محورها الأساسي يدور حول تحديد مفهوم للحدث ، وقامت الاختلاف في تقسيم عمر الحدث والمسؤولية الجنائية له ، وظلت الاتجاهات المعاصرة في السياسة الجنائية والاتفاقيات الدولية بشأن الأطفال والأحداث وفي المستجدات والتطورات التي توصل إليها علم الإجرام وعلم العقاب وغيرها من العلوم الجنائية والاجتماعية جميعها تعمل على حل هذه المشكلة
وقد أثبتت القيود والإحصاءات الرسمية في مختلف الدول أنه يمكن للأحداث ارتكاب مختلف أنواع الجرائم شأنهم في ذلك شأن البالغين، بل منهم من يجيد القيام بأفعال لا يقوى عليها كثير من الكبار بسبب صغر حجمهم وخفة أوزانهم، وبعض المزايا الأخرى التي قد تساعدهم في كثير من الأحيان على النجاح في ارتكاب الجريمة والإفلات من قبضة العدالة والتسلل من المنافذ الصغيرة والتواري عن الأنظار بسرعة وخفة وسهولة، ويشهد على ذلك سجلات المحاكم المليئة بحوادث القتل والأذى والسرقة الموصوفة وانتهاك الأعراض والاحتيال وتعاطي المخدرات والدعارة وغيرها من الجرائم وتمثل السرقة المرتبة الأولى من بين الجرائم التي يرتكبها الأحداث ولهذه الظاهرة خطورة مزدوجة إذ أنها تنعكس من جهة على المجتمع إذ أن جنوح الأحداث يعود بالضرر المباشر على كيان المجتمع وحياة أفراده وسلامتهم وأعراضهم وأموالهم فإذا بدأ الحدث حياته بالإجرام فأصبح الخطر شديد لأنه إذا نشأ على الجريمة واعتاد عليها أصبح من العسير إصلاحه وهو في سن البلوغ.
وهدفنا في هذه المقالة بيان الوضع القانوني للحدث وما يطبق في شأنه من تدابير في النظام الجنائي الخاص بالأحداث والتدابير الواقية لمشكلة جنوح الاحداث ومدى الخطورة الاجرامية في القانون الاتحادي، وذلك من خلال المراحل العمرية التي يمر بها حتى يكون بالغا وما أشير إليه في موضوع المقال أن النظام الذي يقوم على أساس خضوع الأحداث الجانحين لنفس القواعد والأحكام التي يخضع لها البالغين أصبح نظاماً قديما تجاوز الزمن، لاسيما بعد تقدم العلوم والنظريات الجنائية وتطور المبادئ العامة في فقه القانون الجنائي، وكذلك في ضوء ما شهده المجتمع الإماراتي الحديث من تطورات ومتغيرات مختلفة في كافة المجالات، إذ اصبح الاختلاف بين الحدث والبالغ من حيث التكوين مسألة مسلم بها، مما يستوجب على المشرع الاتحادي وضع أنظمة جديدة لمحاكمة ومسألة الأحداث.

ونحاول ابراز الجانب الموضوعي والإجرائي الخاص بالقانون الاتحادي رقم (9) لسنة 1976في شأن الأحداث الجانحين والمشردين ومن وجهة نظر القوانين والأنظمة المقارنة وما استقر عليه الفقه والقضاء من آراء وأحكام خاصة بتشريعات الأحداث من خلال التعريف بالحدث وتقدير سن الحدث، التعريف بالوضع القانوني للأحداث الجانحين، التعريف بمفهوم الحدث في النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية التعريف بمفهوم الحدث في بعض الاتفاقيات الدولية الاخرى، بيان الوضع الخاص الذي يتمتع به الأحداث، إعفاء الحدث من العقوبة وتطبيق تدابير رعاية واصلاح

لذلك فإني سأناقش ما تناولته التشريعات الاتحادية من قواعد قانونية تتعلق بالحدث من حيث المسؤولية الجزائية للحدث الذي لم يبلغ الثامنة عشر من عمره ومدى فاعلية تلك القواعد، في القدرة على صقل عقل الحدث الجانح وإبعاده من الجريمة مع مراعاتها لحقوق الحدث وحمايتها لشخصيته الضعيفة والإجراءات المتخذة بحقه، للوصول إلى حل أفضل وعقاب مثمر يتوافق مع المجتمع الاماراتي بما يعيشه من تطور تكنولوجي وعولمة والذي يجعلها في أمس الحاجة إلى جيل مصقول بشكل جيد واتاحة الفرصة له لمواجهة تحديات العصر والعولمة

فقد باتت ظاهرة جنوح الأحداث ظاهرة اجتماعية شائكة ومعقدة، فرضت نفسها كمعضلة هامة وأساسية في مواجهة الدول النامية والمتحضرة، في ظل عدم وجود اتفاق واضح بين الفقهاء ومشرعي القوانين حول كيفية التعامل مع (الحدث الجانح) يمكن أن يخرج الفرد المخالف للقانون دون عقاب قانوني والسؤال ما هي القواعد القانونية للنظام الجنائي الخاص بالأحداث في دولة الامارات العربية المتحدة وما هي التدابير الواقية لمشكلة جنوح الاحداث ومدى الخطورة الاجرامية في مناط الجنوح الفعلي؟

وقد ركزنا على ما جاءت به القوانين الاتحادية وخاصة القانون الاتحادي رقم 9 لسنة 1976 في شأن الاحداث الجانحين والمشردين ، فيما يتعلق بالحدث الذي لم يبلغ الثامنة عشر من عمره للحدث الجانح والنظام الجنائي لمسألة الحدث مقارنة مع بعض القوانين العربية في أكثر من موضع من البحث استكمالا للفكرة وتوضيحا لها الحدث الجانح في القوانين الوطنية وفي بعض الاتفاقيات الدولية الاخرى

يعتبر جنوح الأحداث من الظواهر التي تعاني منها كل دول العالم السائرة في طريق النمو مع الاختلاف في درجة حدتها من مجتمع إلى أخر تبعا للظروف التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل مجتمع، وتبعا لتباعد درجات النمو الحضاري بين هذه المجتمعات، وإذا كانت ظاهرة جنوح الأحداث في الماضي لم تعرف كمشكلة اجتماعية ذات خطورة، فإن زيادة معدلات الجرائم التي بدأ يرتكبها الأحداث والأطفال في السنوات الأخيرة أثارت قلق غالبية المجتمعات المعاصرة بشكل أدى إلى محاولة هذه المجتمعات اتخاذ إجراءات وممارسات متعددة للتصدي لهذه الظاهرة بهدف التخفيف من أخطارها.

أما التعريف القانوني للحدث في القوانين الاتحادية والاتفاقيات الدولية الاخرى

فالحدث الجانح وهو كل من بلغ التاسعة ولم يكمل الثامنة عشرة وارتكب فعلاً يعاقب عليه القانون، ولكن لا يحكم على القاصر ما بين التاسعة والثالثة عشرة من العمر بعقوبة سالبة للحرية بل يوضع في مؤسسة رعاية الاحداث والتي يعينها القاضي مدة لا تتجاوز إتمامه الثامنة عشرة ويمكن للقاضي أن يوبخه في جلسة المحاكمة ويسلمه بعد ذلك إلى ولي أمره لقاء سند يتعهد فيه بتربية القاصر والحيلولة دون ارتكابه جريمة أخرى خلال المدة المحددة بالحكم يختلف تعريف الحدث وفق المفهوم الاجتماعي والنفسي عن تعريفه بقوانين الاحداث ، فالحدث في المفهوم الاجتماعي والنفسي هو الصغير منذ ولادته، حتى يتم نضوجه الاجتماعي والنفسي، وتتكامل لديه عناصر الرشد المتمثلة في الادراك التام ، اي معرفة الانسان لصفة وطبيعة عمله والقدرة على تكييف سلوكه وتصرفاته طبقاً لما يحيط به من ظروف ومتطلبات الواقع الاجتماعي اما الحدث في المفهوم القانوني الصغير الذي بلغ السن التي حددها القانون للتمييز ولم يتجاوز السن التي حددها لبلوغ الرشد، ثم جاءت المادة (6) من القانون المذكور فنصت(لا تقام الدعوى الجزائية على الحدث الجانح الذي لم يبلغ من العمر سبع سنين كاملة، ومع ذلك يجوز لجهات التحقيق والمحاكم أن تأمر في جميع الأحوال باتخاذ الإجراءات التربوية أو العلاجية المناسبة لحالة هذا الحدث إذا رأت ضرورة لذلك) واعتبرت المادة (1) الحدث هو من لم يجاوز الثامنة عشرة من عمره وقت ارتكاب الفعل محل المساءلة او وجوده في احدى حالات التشرد ، كما انه يعد الحدث جانحا اذا ارتكب جريمة من الجرائم المعاقب عليها بموجب قانون العقوبات او اي قانون اخر وعالج القانون مشكلة الأحداث الجانحين لتميزه عن جرائم البالغين

وجاءت كافة القوانين الاجنبية ولاسيما التشريع الفرنسي والايطالي والهندي تؤكد في موادها على حماية الأطفال حيث ادخلت الكثير من المبادئ في قوانينها الجنائية والتي استمدت احكامها من التشريع الاسلامي والعربي بالإضافة إلى ما ورد بإقرار عصبة الامم سنة 1924 " اعلان جنيف لحقوق الطفل " وما تبعه من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في 1948 من الامم المتحدة، وتلاه اعلان حقوق الطفل الذي اصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1959، وأنشأت منظمة خاصة تعنى بشؤون الطفل (يونيسف) سنة 1946 واخيرا اتفاقية حقوق الطفل الصادرة في 1989

حدد المشرع الإماراتي سن الرشد في المادة (85)من قانون المعاملات المدنية رقم (5) لسنة 1984 والمادة (85) والمادتين(171،172) من قانون الأحوال الشخصية الاتحادي ونصت المادة (1) من قانون الاحداث على ان الحدث هو من لم يجاوز الثامنة عشر من عمره وقت ارتكابه الفعل محلا لمساءلة أو وجوده في أحدي حالات التشرد، واتفاقا مع المعايير الدولية، نظم القانون الاتحادي رقم(9) لسنة 1976في شأن الأحداث الجانحين والمشردين إدارة العدالة الجنائية للأحداث، تأسيسا على حاجة الحدث إلى معاملة منصفة وإنسانية خلال إجراءات الملاحقة القانونية والتحقيق معه ومحاكمته التي تعتمد في الأصل على التدابير غير المانعة للحرية، ووفقاً لهذا القانون يعد حدثا من لم يجاوز الثامنة عشرة من عمره الحد الادنى لسن الحدث الى ثماني سنوات في القانون الانجليزي ، او ترفع الحد الاعلى لسن الحدث الى احدى وعشرون سنة في القانون السويدي او التشيلي او تخفض الى ستة عشر سنة كما في القانون الهندي والباكستاني والسيرلانكي ، بينما اعتبر في القانون السوري كل ذكر او انثى لم يتم الثامنة عشرة من عمره

أما الحدث في القانون المصري من لم يبلغ سنة ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة أو عند وجوده في إحدى حالات التعرض للانحراف المنصوص عليها في المادة 96 كما تمتنع المسئولية الجنائية علي الطفل الذي لم يبلغ من العمر سبع سنين كاملة ولكن يعتبر معرضا للانحراف إذا توافرت فيه إحدى الحالات المبينة في المادة 96 من قانون الطفل أو إذا حدثت منه واقعة تشكل جناية أو جنحة، قانون الاحداث الجانحين المصري والمادة 1336 والمادة 1337 – الطفل (الحدث) في حكم قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 وعلى هذا الاساس فالصغير الذي لم يبلغ السابعة غير أهل للمسؤولية الجزائية لانتفاء التمييز لديه والذي يعتمد على النضوج العقلي والخبرة العملية التي يكتسبها الانسان من الحياة العامة واتبع المشرع الإماراتي نفس النهج في نص المادة (6) من القانون الاتحادي رقم (9) لسنة 1976 على انه((لا تقام الدعوى الجزائية على الحدث الجانح الذي لم يبلغ من العمر سبع سنين كاملة ومع ذلك يجوز لجهات التحقيق والمحاكم أن تأمر فى جميع الأحوال باتخاذ الاجراءات التربوية أو العلاجية المناسبة لحالة هذا الحدث اذا رأت ضرورة لذلك)) ومع ذلك يجوز لجهات التحقيق والمحاكم، ان تآمر في جميع الاحوال، باتخاذ الاجراءات التربوية، أو العلاجية المناسبة لحالة هذا الحدث اذا رأت ضرورة ذلك أما الحدث الذي بلغ سن السابعة ولم يتم او يتجاوز الحد الاقصى لسن الحداثة وهو سن الثامنة عشرة فالقانون يعتبره مسؤولا مسؤولية ناقصة لان شرطي المسؤولية الجزائية، وهما الادراك وحرية الاختيار أو الارادة لم يتوافرا لديه كما ينبغي وذلك لعدم اكتمال نضوجه الفسيولوجي او الجسماني او العقلي فضلاً عن قلة خبرته بالحياة العامة، كما يعتبر القانون الجزائي، بصورة عامة وقانون الاحداث الجانحين، بصورة خاصة، حداثة السن أو ما يسمى بالقصر الجزائي مانعاً من موانع المسؤولية، أو من العقاب، في بعض الحالات حيث ان القانون الجزائي يشدد في عقاب الفاعل الذي يعتدي على القاصر فيزيولوجيا فيرتكب جريمة اخلاقية أو تسبيب أو قتل أو ايذاء أو احتيال أو اساءة ائتمان ضده تأسيسا على حداثة عمره من جهة وضعف مقاومته للشدة أو الاغراء وغير ذلك من اسباب اخرى كما ورد في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لسنة 1989 الصادرة من الامم المتحدة في المادة(40)

ان تعترف الدول الاطراف بحق كل طفل يدعى انه انتهك قانون العقوبات او يتهم بذلك او يثبت عليه ذلك في ان يعامل بطريقة تتفق مع رفع درجة احساس الطفل بكرامته وقدرته، وتعزز احترام الطفل لما للأخرين من حقوق الانسان والحريات الاساسية وتراعي سن الطفل واستصواب تشجيع اعادة اندماج الطفل وقيامه بدور بناء في المجتمع - يتبع –
 0  0  28.0K