... ايام وليال حلوة ...

من عادات أهل المدينة المنورة قديما الاحتفال باليوم ليلة منتصف شعبان من كل عام ب .. سيدي شاهين ياشربيت ..
وكل عام وانتم في خير وصحة وسلامة وطاعة وعبادة ورخاء ومحبة .

( سيدي شاهن )
أقول مستعينا بالله تعالى ومصليا على سيدنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
السيد شاهين افندي ضابط تركي من
عسكر فخري باشا ، حسيني من
أشراف تركيا ، كان يسكن في زقاق الرومية بالقرب من الحرم النبوي الشريف ، وأخته سعادة سكنت في العنبرية ، وزوجها يسمى بالخواجه سعيد ، هكذا سمعنا عندما سألنا الكبار
قديما ، وفي قول آخر بأن السيد شاهين هو الذي كان يسمى بالخواجه ، وأن السيده سعاده هانم كانت تسكن في الرستمية المنطقة المعروفة في حارة اﻷغوات ، وقول ثالث بأنها سكنت أولا في باب
المجيدي وأن سعيد زوج ابنتها ،
وأنه ظل حيا حتى عام 1360 تقريبا
ولم يعقب ، وأن زوجها كان هو داوود باشا شيخ الحرم الذي تنسب إليه أرض الداودية المعروفه . وهم عائلة ثرية ولهم عدة أعمال خيرية . واﻷخت الكبرى للسيده سعاده هذه
اسمها سلطانه حفرت بئرا على بعض
طريق الحاج عند أول وصوله لضواحي المدينة المنورة ، وطريقها عرف فيما بعد بطريق بئر سلطانه ،
وهو اليوم طريق سلطانه المعروف .
والسبب في هذا الفلكلور أن أهل
المدينة قديما كانوا يحتفون بليلة
النصف من شعبان لما ورد فيها من
الفضل ، وكانوا يختمون فيها القرآن ويجتمعون للدعاء وربما قرأوا المولد والمدائح النبوية ، على عادة أهل المدينة المنورة قديما . ولما هاجرت السيده التركيه سعاده لاحقة بأخيها شاهين أفندي وسكنت في المدينة ورأت مايصنعه جيرانها في ليلة النصف من شعبان ، صارت تصنع نوعا من الحلوى لايعرفه أهل المدينه المنورة وتبعث به لمجالس الذكر والدعاء لتقدم بعد الطعام ، وتقوم هي بتوزيع هذه الحلوى على أطفال الحاره ، فتقف على باب بيتها وتعطيها الصغار ، وربما صرت ذلك في خرق صغيرة معقودة ، فصار الصغار كل عام يترقبون ذلك ، وقيل إن هذه الحلوى هي مايسمى اليوم عند أهل المدينة بالحلاوة التركيه ، أو ما يسمى عند المصريين بحلاوة ( سد الحنك ) . وفي سنة من السنوات جاءت المناسبة والشريفة سعاده مريضه وقد عرف أخوها شاهين أفندي رحمه الله عادتها ، فاشترى كمية من الحلوى المدنية من السوق وبعث بها إلى دارها ، ووقف زوجها سعيد خواجه على باب البيت يوزعها ، ومع مرور الزمن صار يحاكيها جيرانها ويصنعون حلويات مخصوصة لتوزيعها على الصغار في ليلة النصف من شعبان ، ثم صارت عادة وفلكلورا ، إخترع الأطفال له هذه اﻷهازيج ، التي كانت تغنى أولا أمام بيت الشريفه سعاده ، ثم انتشرت في الحارات وصارت وسيلة
للضحك والمتعة والطرافه ، يطوف الأطفال على البيوت ويغنون ويطرقون اﻷبواب بالعصي تسمى ( القدة ) ، ويغنون الكلمات المعروفه ،
فيكون لكل مجموعة من اﻷطفال قائدا يسيرون خلفه ويطوفون على بيوت الحاره بيتا بيتا ، ويطرقون الباب برؤوس العصي قائلين منشدين في تناغم جميل :

*سيدي شاهين ياشربيت ..خرقه مرقه يا اهل البيت .. أما تواب والا جواب والا نكسر هذا الباب .. لولا خواجه ما جينا ولا طاحت كوافينا ويحل الكيس يعطينا .. والعادة والسادة .. ستي سعادة هاتي العادة سيدي سعيد هات العيد .. أما مشبك والا فشار .. والا عروسه من الروشان .. والا عريس من الدهليز والا نرقد تحت الباب

فتقف عادة الوالدة في كل بيت
خلف الباب وخلفها اﻹبنة الكبرى التي
على وشك الزواج حاملة صينية فيها
الحلوى والفشار والمشبك وربما بعض
القطع النقديه ، فتعطي الوالده بيدها كل واحد من الصغار قسمته .
وبعضهم يرمون لهم من اﻷعلى ليمسكوا الحلوى التي ترمى ، فلما ينتهي أخذهم للحلوى والفشار وغيرها ، يغنون شاكرين العطاء لهذا البيت قائلين :

قارورة يا قارورة ست البيت غندوره

وإذا لم يعطوا ، أو صبوا عليهم الماء
من فوق ﻹيقاف ضربهم الشديد للباب
يغنون :

كبريته يا كبريته ست البيت عفريته

وعند اتجاه الصغار لتقسيم الصرة الكبيرة التي جمعوا فيها الحلوى يظهر لهم مجموعة من الأولاد الذين تجاوزوا الخامسة عشرة من العمر ولم يشاركوا في سيدي شاهن ليوقفوهم ويأخذوا منهم بعضا من الحلوى قائلين لهم
( الزكاة .. الزكاة )
فيعطونهم قليلا مما معهم ، والكل يضحك ويفرح في تلك الليلة .
وكان الأطفال الأكبر من عشر سنوات. فما فوق يقفون على مدخل الحارات من بعد صلاة المغرب الى بعد صلاة العشاء ، يستقبلون الخارجين من الصلاة في الحرم النبوي الشريف وهم ينشدون :

ياعمي هات البخشيش ياعمي بكرة مافيش

كل ذلك للضحك والطرافه ، لا للعبادة
ولا لتقديس أحد كما يزعم البعض ،
فالكلمات طفولية محضه ، لا ارتباط لها بأي بعد ديني أو مذهبي البته ،
فالكلمات كلها من اختراع اﻷطفال
مثل سائر أنواع اﻷناشيد التراثية
المعروفه ، وذلك موجود في كل مجتمع .
وكل عام وانتم بخير ..
بلغنا الله وإياكم شهر الخير رمضان ونحن وأنتم في صحة وعافية وأعاننا على صيامه وقيامه وجعلنا من عتقائه من النا وممن فاز بليلة القدر ايمانا واحتسابا اللهم آمين.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى اله عل سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين سينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أ.د. محمد حمد خليص الحربي