نحن والعالم الى اين
أعتقد ان كل منا لايستغرب أننا نعيش في أتون، مطلع القرن الحادي والعشرين، حقبة من القطيعة، والتصدع، ومن إعادة تركيب عام للقوى الاقليميه والعالمية الجيواستراتيجية وكذلك الصور الاجتماعية والقطاعات الاقتصادية والعسكريه والسياسيه، والارهاصات الثقافية. حقبة تُخَلِّفُ الويلات والاضطرابات في كل مكان، بالأمل الكبير الموهوم وب "نظام دولي استعماري جديد وحديث". وهذا وكما نعلم، فقد وُلِدَ ميتاً، كما هو عليه الحال في الوقت الحاضر. ويتساءل البعض، فيما إذا كانت مجتمعاتنا تتوجه نحو الفوضى، كما كان عليه الأمر في الحقبات السابقة.
فيمكن لكل واحد أن يقدر أن الظنون، قد أصبحت اليقين الوحيد؛ منذ فجر الألفية الثالثة. وبأن نوعاً من الشؤم العالمي يتدفق في جو من التذمر والالم العام، ومن خيبات الأمل.
فبعد أكثر من ستاًوعشرين عاماً على سقوط جدار برلين، وأكثر من عشرين عاماً على حرب الخليج، الثانية، وأكثر من عشرات الأعوام على احتلال العراق، واحتلال سوريا بيد قادتها وتسليمها للقوى الروسيه والمجوسيه واذنابها ، وصراعات الدول على كرامة ليبيا واغتصاب دولة اليمن من قبل السرطان الايراني الحوثي وحزب اللات اللبناني، وبعد تصدع الاتحاد السوفياتي، فإن التفاؤل بمستقبل جديد يسود فيه العدل والسلام قد باء إلى الفشل الذريع. إذ ينظر المواطن في كل مكان، وهو يتفحص المستقبل، ويستشف الأحداث، فلا يجد سوى الرعب، والقتل والدمار والتهجير عند رؤية صعود قوى الفوضى والشذوذ في كل مكان إلى مواقع المسؤولية، حيث نجد أنفسنا في نعيش في منطلقه، وبات مُسلّماً به وملامحه تبدو وكأنه أصبح مجهولاً، ومليئاً بالأخطار وبالتهديدات.
لقد سعى الغرب بإصرار، خلال عقود من الزمن، على العمل إلى انهيار الأنظمة الشيوعية وتدمير الاتحاد السوفياتي. وأصبح من المفروض أن يصبح الجو العام، جو عدل، وفرح بالانتصار المزعوم، بعد أن تحققت تلك الأهداف. لكن لم يتحقق أي شيء من هذا. فقد تحول ذلك الانتصار المفاجئ، إلى درجة ما يشبه القلق؛ "فنحن الآن، أمام عالم، أكثر غموضاً، ومن أي وقت مضى" حسبما اعترف بذلك، روبرت غرافز المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية (CIA).
فكيف تم الوصول إلى ذلك؟ لقد وضعت الاضطرابات في السنوات الأخيرة المجتمعات على مفترق طرق، جوهرية، في مجالات متعدّدة أو في مجالات أكثر تنوعاً. وأخذت الفوضى الواسعة تشوش بل بضبابية على المشهد الجيوسياسي، منذ نهاية الحرب الباردة، وأخذ الكل يتساءل إلى أين يتجه العالم. والجميع يريد أن يدرك. ماذا يجري؟ ولماذا وصل العالم إلى هذه المآزق وما هو دور الإنسان الواعي وكيف يكون لمتابعة الحضارة الإنسانية في اي اتجاه نحن سائرون؟
لقد تحقق المواطنون من عجز الحكام السياسيين أمام تحليل وتوضيح أبعاد وطبيعة الأزمة المعاصرة. إذ ما من أحد يبدو أنه على قدرة أن يتحقق من وجود مبدأ يصلح، للعصر الجديد ما أفسدته المطامع التوسعيه، الذي دخله العالم، بعد انهيار النظام الشيوعي. وتداخلت الرؤا بأنه يحقق لهذا العالم أشكالاً جديدة من التفكير لتحقيق السلام والعدل.
فقد جرت أحداث ذات مدى واسع، على المستوى العالمي، منها توحيد ألمانيا، واختفاء الأنظمة الشيوعية في بلدان شرق أوربا، وانهيار الاتحاد السوفياتي "حيث لا تزال الأسباب مبهمة مُلَغَّزَة"، وأزمات الأمم المتحدة، وتفرّد الولايات المتحدة بالشؤون الدولية، وإلغاء العنصرية في جنوب إفريقيا، وانتهاء "الحروب الأقل شدة" السلفادور، نيكاراغوا، أنجولا، أفغانستان، كامبوديا، العراق... إلخ". وقيام تبدلات جذرية في بعض المناطق، مثل إثيوبيا، غينيا، الجزائر، والتشيلي، ونهاية نظام موبوتو في الكونغو زائير... كما جرى الاعتراف المتبادل بين الفلسطينيين، والكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، لكن ذلك، لم يتحقق من حيث الواقع بل أضحا بربقنده دعائيه اعلاميه، ثم النهضة الصينية، وعودة هونغ كونغ للصين، وبروز الهند كقوة إقليمية ذات أبعاد متزايدة... إلخ. أحداث أخرى. ذات وتيرة أبطأ، لكن ذات أبعاد متعاظمة، مثل متابعة بناء أوربا، وممارسة نفوذ حاسم من قبلها، على الاندماج العام في الحياة السياسية العالمية، أحداث ديرامسياسيه من القلاقل والفتن المتزايدة.
لقد جاءت هذه التغيرات لتضاف إلى التغيرات ذات الأبعاد الواسعة، التي قلبت، خلال العقد الأخير من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، أسس تنظيم العمل وطرق الإنتاج، عن طريق الإدخال المكثف للمعلوماتية وتكنولوجيات جديدة على الاتصالات في المعامل والمشروعات والمؤسسات.
واستبشرت المجتمعات خيراً بعد نهاية الحرب الباردة، والتغيرات الجارية المجددة للفكر من الأغلال الأيديولوجية، والوفاء المفروض كل ذلك يشجعنا على فهم أفضل للعالم الحقيقي، فهماً خارجاً عن العقائد والمبادئ والمخططات الثقافية المدرسية الممنهجه حسب منظور كل مجتمع.
وتتوافق هذه الحقبة الاستثنائية مع تغير حقيقي للعصر. ويحدث هذا هماً جديداً في الغرب، وقلقاً عميقاً في المجتمعات المتطورة. نظراً إلى أن لا أحد يعرف ما الذي سيشبه العصر الجديد الذي بدأ حيث أكد ألكسندر كينغ الشريك المؤسس لنادي روما، قائلاً: «نحن بين ظهراني عملية طويلة وشاقة مؤدية إلى ظهور، مجتمع شمولي، تحت منظور وشكل أو آخر، من غير الممكن تصور البنية أو النتائج المحتملة، حتى الآن».
لقد انتهى عصر الأبطال. ويُعْرَف الآن أن كل شيء متوافق وفي الوقت نفسه، كل شيء متعارض. وبأنه على النظام الدولي الجديد أن يشمل الجميع، وأن لا يستثني أي شيء من حقل عمله: في السياسة، والاقتصاد، والمجتمعات، وبالثقافة والبيئة. حسب خصوصية كل مجتمع لكن لقد أصبح العالم، وبكل وضوح، حقلاً رحباً ومجالاً فضاءته ملبدةً بسوداوية المطامع النفوذيه ، إلى حد بعيد، بالنسبة إلى طموحات الولايات المتحدة المهيمنة، حتى بعد انتصاراتها الساحقة في المجالات العسكرية في حروبها في أفغانستان وفي العراق، وسحق شعوبها، واحتلال أراضيها: «إن وضع الولايات المتحدة وضع عجيب» كما يلاحظ ذلك آرثر شليسنجر المستشار السابق للرئيس كندي حيث يقول أيضاً: «إن الولايات المتحدة قوة فائقة، أو أعظم قوة عسكرياً، لكنها عاجزة عن الاضطلاع بتكاليف حروبها الخاصة طبقاً لاستراتيجيتها وأطماع قادتها إذن حتى لا تستطيع أن تؤمن لنفسها مستقبلاً كبيراً كأعظم قوة، عندما تقرر العمل لوحدها، أو عندما يتخلى عنها حلفاؤها، مع ذلك، فإننا لسنا على مقدرة على أن نحكم العالم...»
انتها الجزء الاول من الموضوع والتكمله في الجزء الثاني،،
*المحلل السياسي الخبير الاستراتيجي