نحب الهيئة ولكن؟
*أ.د. محمد حمد خليص الحربي :
**
كثر اللغط حول جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واختلفت الآراء حولها بين مؤيدا لها ورافض ومنتقد ، وفي مقالي هذا سوف أحاول أن ارصد بعض السلبيات التي تحدث من بعض رجالات الهيئة وبعض ايجابياتها وسأقترح بعض الحلول لعلها تسهم بحل تلك الإشكالية التي أصبحت الشغل الشاغل للناس ومركز أحاديثهم في المجالس وعبر قنوات التواصل الاجتماعي بين جاحد ومنصف ومشكك، وأول ما أود التنويه عنه هنا هو التذكير أن أي جهاز يوضع تحت المجهر يسهل تصيد الأخطاء فيه وعليه يجري تضخيمها وزيادة حجمها وإبرازها مما يؤدي إلى تغطية الإيجابيات وتقليصها وقد يصل إلى نسيان تلك الإيجابيات كليا.
وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهاز حكومي أنشأته الدولة لوجود الحاجة له لتذكير الناس بأوقات الصلاة ونشر الوعي الديني بين طبقات المجتمع وتصحيح العقائد المغلوطة ونبذ البدع ونصح الناس بالمعروف وإنكار المنكر وتغييره بالطرق السليمة والرسمية وهو عن طريق المساهمة مع الدوائر الحكومية المختصة لتصحيح الخطاء وإصلاحه.
ومن اطلع على أنظمة الهيئة وتتبع خطوات إنشائها لأصبح ممن يدعموها ويؤيدوها ويأخذ بيدها، لأنه جهاز إصلاح يعين على استقامة المجتمع ويحميه من الانزلاق في مهاوي ألردي ويمنع من وقوع الخلل وتفاقمه.
ولكن مع شديد الأسف تحدث من بعض رجال الهيئة بعض التصرفات السلبية التي أساءت للجهاز وكرهت به بعض أفراد المجتمع وخاصة من وقع عليهم بعض الظلم مثل من قبض عليه متأخر عن أداء الصلاة وسجن في حمام المركز أكرمكم الله، أو من قبض عليه بشبهه وتم تفتيش جواله وخصوصياته وشهر به وأحيل للتحقيق بقضية تختلف عن القضية التي قبض عليه بسببها. وغيرها من القضايا التي نكاد نسمعها يوميا وآخرها كانت الاعتداء على رجل غربي وزوجته في احد الأسواق. والذي أثار جدلا كبيرا مما أدى إلى تدخل الرئيس العام للهيئة وكذلك تمت مناقشته في مجلس الشورى، وهذا التحرك في نظري تحرك جميل وفي محله ولكنه تدخل متأخر جدا ويثير تساءل المجتمع لماذا لم يحدث من قبل وحدث عندما كان احد الأطراف من رعايا الدول الغربية؟ .. مما يبعث على التساؤل عن حقوق المواطن وكرامته..
أما من ايجابيات الجهاز التي يغفلها الكثير ولا يذكرها ، هي أن الجهاز ساهم في حل مشاكل الكثير من النساء والتي حدثت نتيجة أخطاء بسيطة ثم تفاقمت وأصبحت عمليات ابتزاز مادي لهن ، كشف الكثير من أوكار الدعارة ومصانع الخمور والقبض على المشعوذين وفك الأسحار وما إلى ذلك من أعمال تسيئ للدين و لسمعة الوطن وتضر المجتمع.
*
وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصفته جهاز ديني ورقابي فكم كنت أتمنى أن توجه إمكانات جهاز الهيئة لكثف كل أنواع التطرف والبحث عن الخلايا الإرهابية النائمة والمستيقظة، ونصحهم وإعادتهم للصواب وإبلاغ أجهزة الدولة على من يتوجسوا منهم الخطورة على الوطن والمجتمع كخلايا القاعدة وداعش وغيرهم. وكم أتمنى أن يكون شعارهم "نحن معكم نام لان نكون سواء في الفردوس" ليطمئن كل من يلقاهم بأنهم إخوة لهم لا يلوون للضرر بهم ويستروا ما علموه من أسرارهم ويتعاملوا معهم بإخوة صادقة نابعة من حب اخوي وديني ووطني، ويعلم الله أنني أحب رجالات الهيئة وأحب وجود هذا الجهاز وأتمنى استمراريته ولكني أرجو من المسؤلين عنه العمل على تطوره تطورا جذريا ليخدم أهداف الوطن. وان يعرف المجتمع تعريفا صحيحا حوله وانه معهم ويعمل لصالحهم وخدمتهم وليس ضدهم، وانه ليس كل من قصر رداؤه وأطال لحيته من رجالات الهيئة أو الفتوى، فلكل جهاز رجالاته يمكن مخاطبتهم عبر مراكزهم ومقارهم المنتشرة في أنحاء الوطن، فكثير من الجهلة يمتطون الموجة ويدعون علاقتهم بالهيئة ويبطشوا باسم الهيئة أو رجالات الدعوة والفتوى فيفتوا يمالا يعلموا ويخدمهم بذلك مظهرهم. ولذلك أتمنى على المسؤلين اعتماد لباس خاص برجال الهيئة وإلزامهم بارتدائه إثناء العمل الميداني مع إيجاد بطاقة أثبات بارزة يمكن مشاهدة اسم العضو من بعيد والتعرف عليه ، وإيجاد آلية لمعاقبته عند ارتكابه خطاء ما بما يستحق من عقوبة، فلا قدسية ولا حصانة. فالعمل الصحيح يفرض نفسه والتعامل بإنسانية هو اكبر حصانه وفارض للاحترام بين الناس، أما العنف والنظرة الدونية للمجتمع واعتبار الناس جهلة وعامة فهذا يزيد الفجوة ويؤجج الحالة وينعكس ذلك على البعض للنفور والعدائية مما يرمي كثيرا من الشباب في بؤر الفساد الديني والاجتماعي والتطرف في كثير من الأحيان.
أسأل الله أن يوفقنا جميعا لما فيه الخير والسداد لخدمة ديننا الحنيف ووطننا الغالي ومجتمعنا الطيب في ظل حكومتنا الرشيدة أيدها الله وحفظها من كل غادر وحاسد وحاقد.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل الله على سيدنا محمد معلى آله وصحبه أجمعين.