بعد الْيَوْمَ لن تكونوا أحباب قلبي رفاق دربي
قبل مدة وجيزة ، دق ناقوس الرحيل ، وحان فراق الأحبة ، وشعرت وكأن الكل يقول بصوت واحد( وإني على فراقك يا حسن لمحزون ) فلم أَجِد كلمات قبل الوداع لأحبتي ، أبصارنا كانت شاخصة للسماء من هول الفراق ، والأعين لم تجف مدامعها ، وكأني بينكم أحتضر ، وذاهب لربي وملاقيه ، الكل يودع .
غادرت سائلاً ربي أن يجمعني بكم قبل أن يأتي هادم اللذات ومفرق الجماعات ، كان هذا الفراق هو ( إحالتي على التقاعد) مضيت تاركاً أحبتي ... الى آين ؟ لا أدري ، كنت في حيرة من أمري ، أشعر وكأني قد فارقت الحياة ، وكأن روحي قد ذهبت لباريها ، ولسان حالي يقول : يارب كيف ساحتمل فراق أحبتي رفاق دربي ، بعد أن عشت وقضيت أجمل وأحلا أيام شبابي معهم ، نخبة من الزملاء والاصدقاء ، كان للود بيننا طريق مرسوم ، تحفه المحبة الصادقة ، والاخوة العفوية الخالية من التملق والخداع والكذب والمراوغة ، بل كانت بيننا أسمى وأنبل معنى للرجولة والشجاعة والتضحية ، كل ذلك في ميدان العزة والكرامة ومصنع الرجال ، بالقوات البرية الملكية السعودية .
نتسابق على الفداء والتفاني والإقدام في العمل والتنافس الشريف ، حتى بتنا إخوة وإن لم تلدنا أماً ..
فالأيام والليالي أخذت تمر كلمح البصر ، فلا يبقى على حال إلا رب العباد ، فرقتنا الأيام .ولم يفرقنا القدر ، فسبحان من يجمع القلوب ويألف بينها ، قال سبحانه: وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ..
لم يهدأ لي بالاً ، ولَم يهنأ لي عيشاً ، حتى أخذت على عاتقي عهداً ، وسألت الله أن يجمعني بكم في الدنيا ، فقررت بعد توفيق الله أن أجمعكم في قروب أسميته( أحباب قلبي رفاق دربي ) لتعود روحي لجسدي المنهك من وعثاء الحياة ، وحرارة الفراق ، ففعلاً كان لي ذلك وكُنتُم - أحباب قلبي - إلا أنكم الْيَوْمَ - لم تعودو أحباب قلبي - بل والله إنكم أصبحتم ، نور عيني الذي أبصر به ، ونبضات قلبي التي تشعرني إنني مازلت على قيد الحياة ، كم كنت سعيداً باجتماعاتكم المتجددة بين فترة وآخرى ، والتي كانت تشعرني بعودة روحي الى جسدي مرة بعد مره ، فكل إجتماع بكم كأنه الأول في حياتي ، وكل توديع لكم بعد الإجتماع كأنه فراق مودع قد أزف على الرحيل.
أحبتي لم يعد في العمر بقية ، قال الرسول الكريم : أعمار أمتي مابين الستين والسبعين وقليل من يتجاوز ذلك .. لقد بتم حياتي بأكملها ، فهنيئاً لي بزملاء وأخوة أمثالكم ، فلكم مني كل التحايا العطرة ، عدد ماغرد الطير وناح الحمام ، وعدد من طاف وسعى وحج أو إعتمر بالبيت العتيق ..
كونوا على العهد كما عهدتكم ، وعلى الموعد كما عرفتكم ، عند الشروق وبعد الغروب ، وقبل أن تشخص الأبصار ويلتف الساق بالساق ، حتى نصبح على سرر متقابلين في جنات النعيم باْذن الله .. قال تعالى:
﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) ﴾
دمتم ودام حبل الوصال بيننا.