كفايات الأستاذ الجامعي وتقويمه في ضوء إدارة الجودة الشاملة
الغربية - قلم أ - ناهد الحربي
لكي يقوم عضو هيئة التدريس بالجامعة بدوره بكفاءة وإقتدار في ضوء معايير الجودة في التعليم الجامعي؛ لا بد أن يتمتع بقدر كاف من القدرات والكفايات التعليمية والتربوية، التي تمثل أهمية قصوى لفاعلية التعليم الجامعي ككل، وضمان مخرجات صالحة لسوق العمل.
ولإبراز البعد التربوي للكفايات؛ فقد اهتم التربويون بتعريفها، فهناك من يرى أنها عبارة عن مجموعة المعارف والمهارات والقدرات والإتجاهات التي ينبغي أن يمتلكها عضو هيئة التدريس بالجامعة ، ويكون قادراً على تطبيقها بفاعلية، وإتقانها أثناء التدريس، ويتم اكتسابها من خلال برامج الإعداد والتأهيل قبل الخدمة، والتدريب وإعادة التدريب والتوجيه والتقويم المستمر أثناء الخدمة، بينما يرى آخرون أنها أهداف سلوكية إجرائية يؤديها عضو هيئة التدريس بدرجة عالية من الإتقان والمهارة في المجالات التربوية المختلفة لتحقيق تعليم وتعلُّم أفضل.
بالتالي وعلى ضوء ما سبق من تعريفات "يمكن القول إن الكفايات التربوية لعضو هيئة التدريس بالجامعة عبارة عن مجموعة أهداف سلوكية إجرائية محددة تحديداً دقيقاً يؤديها عضو هيئة التدريس " بدرجة عالية من الإتقان والمهارة وبشكل مستمر"، وتكون ناتجة عن مهارات ومعارف وخبرات سابقة لأداء جوانب أدواره المختلفة* التربوية والتعليمية والإدارية والإجتماعية والإنسانية المطلوبة منه ""لتحقيق جودة عالية لمخرجات العملية التعليمية الجامعية"". (بمعنى ربط الكفايات بأدوار عضو هيئة التدريس التي لا تنحصر في الجانب التعليمي فقط)، لأن تحديد الأدوار التي سيقوم بها سيؤدي بالتأكيد إلى تحديد أدق لمفهوم وابعاد للكفاية، حيث يعتمد تحديد قائمة الكفايات على ما سبق تحديده من أدوار، مما يؤدي إلى " تصنيف وتنظيم هذه الأدوار المنوطة بعضو هيئة التدريس ".
وهذا لايعني إستبدال مصطلح الكفاية بمصطلح الدور، لأن الدور من حيث المصطلح والمفهوم يحدّد المهام والمسؤوليات التي يجب على عضو هيئة التدريس أداؤها تحقيقاً لكفاءة عالية للعملية التعليمية. أي أن عضو هيئة التدريس لا يمكن أن يؤدي الدور دون إمتلاك كفايات للقيام بهذا الدور. ومن ثُمَّ فنجاحه في أدواره (يعتمد على ما يمتلكه من كفايات)،
وبنظرة إلى حقبة العولمة سريعة التغيُّر والتطور التي يعيشها العالم اليوم؛ يصبح إنعكاس هذه التغيرات والتطورات على دور عضو هيئة التدريس بالجامعة ((امرٌ حتميٌّ)) لا يمكن تجاهله، وبالتالي يصبح دور وكفايات عضو هيئة التدريس يتغيران بتغيُّر الظروف وبالتطور التقني الهائل والمتلاحق، لذا "وجب عليه أن يسعى بإستمرار لإمتلاك كفايات متجددة يستطيع من خلالها أداء دوره المتجدد".
ومن جانب آخر ذو صلة؛هناك إتجاهات متعددة أيضاً لقياس وتقويم أداء عضو هيئة التدريس لأدواره وكفاياته، حيث أصبح " تطبيق معايير إدارة الجودة الشاملة" - وأهمها التقويم- في مجالات الحياة المختلفة أمراً في غاية الأهمية في المنظمات الحكومية وغير الحكومية - التربوي منها والإداري والصناعي والخدمي -، وذلك لما للتقويم من أثر فعّال في تحسين دور هذه المنظمات. ويسعى كثير من الجامعات ومعاهد التعليم العالي في البلدان المختلفة إلى تطوير أداء أعضاء هيئة التدريس بها، وذلك من خلال متابعة وتقويم كفاياتهم وممارساتهم التدريسية.
وهناك أساليب مختلفة لتقويم أداء أعضاء هيئة التدريس تستخدم كلها أو بعضها في الجامعات مثل: تقويم أداء عضو هيئة التدريس عن طريق عمداء الكليات ورؤساء الأقسام وزملاء العمل. وتقويم أداء عضو هيئة التدريس بأن يقيِّم ويقوِّم نفسه بنفسه، وذلك بتوفير بعض الأدوات العلمية والتربوية اللازمة لذلك. وهناك أيضاً تقويم أداء عضو هيئة التدريس عن طريق تقويم الطلاب له، ويعد هذا النمط من التقويم من أحدث الأنماط، وأكثرها ثباتاً في تقويم عمله ومهاراته وكفاياته المهنية والفنية والنفسية والاجتماعية.
وعلى الرغم من أهمية وإنتشار ظاهرة تقويم الطالب الجامعي لأستاذه في الدول المتقدمة؛ فإنها لا تجد القدر الكافي من الإهتمام ولا يؤخذ بها غالباً، مع أن الجامعة تقع عليها مسؤوليات جسام في قضايا التنمية الإجتماعية في مجتمعاتنا العربية، والمجتمع السعودي على وجه الخصوص، فهي بمثابة الإشعاع الحضاري على المجتمع، والأخذ بأحدث ما توصل إليه العلم، والبحث عن الحقائق العلمية المبتكرة وتكريسها في المجتمع بما يخدم حاجة المسلم في دنياه وآخرته، والسعي المتواصل لإبداع النظريات والمبادئ والأصول التربوية للمجتمع، وهذه المسؤوليات تحتم على "الجامعة ومن يعمل بها" أن يتفاعل مع مشكلاتها، وتطلعاتها.
إن أهم ما يجب أن يوليه مخططوا التعليم العالي وعلماء التربية في بلادنا المباركة لتحقيق أهداف التعليم الجامعي بالصورة الفُضلى: إعداد الشاب الجامعي القادر على فهم المعرفة، وإدارتها، والتعامل معها، والإستفادة منها، والبحث عنها بالطرق العلمية السليمة، والوعي بمشكلات المجتمع، والعمل على حلها. من خلال العمل المستمر على تقويم المسيرة العلمية والتعليمية ، وذلك للتأكيد على أن الجامعة تسير بخُطى ثابتة لتحقيق أهدافها في؛ ( إعداد جيلٍ متحررٍ من الجهل والخوف والتخلف، قويٍّ بإيمانه بالله، قويٍّ في بنيته وشخصيته وأخلاقه، معتزٍ بدينه، ثم بمليكه ووطنه وشعبه، متسلِّحٍ بمنجزات العصر العلمية والفنية والتقنية، ويعرف كيف يستخدمها ).