الوداع الأخير
استجمعت ماتبقى لي من قوة .. وحبست دموعي داخل مقلتي .. وأمسكت بقلمي وأوراقي في محاولة خجولة للصلح معهما ؟!!
فمنذ فترة هجرتهما .. أخذني شعور جارف بالحاجة إليهما ..
فلقد كانا من أقرب الأصدقاء ألى نفسي .. فلطالما أسررت لهما بما يجول في خاطري من أحاسيس ومشاعر .. وما أمر به من لحظات فرح وحزن , أمل ويأس , حيرة وترقب.. ولكني اليوم .. وما أمر به من مصيبة عظيمة , وبلية جسيمة في فقدي.. لفلذة كبدي , وقرة عيني , وريحانة فؤادي .. ابني الغالي خالد أجد نفسي أحوج ما أكون للكتابة لعلني أنفس عن ذلك البركان الذي يثور بداخلي.. ..فلم أجد غير هذه الأوراق بعد الله أبث لها ألمي وحزني .. بعد أن عجز لساني عن التعبير..
أيام عشتها وأعيشها لم أعش مثلها .. منذ أن بثت الروح في جسدي وفتحت عيني على هذه الحياة.. أيام عصيبة, ثقيلة , ثوانيها ألم , ودقائقها حزن وساعاتها مرارة وحسره..
مرت ومازالت تمر أمام عيني كشريط ينتهي ليبتدئ من جديد .. فيلم حقيقي لقصة واقعية عشت تفاصيلها لحظة بلحظة وبكل ذرة من كياني ....فيلم وضع السيناريو والحوار له القدر .
في ذلك الصباح كنت على موعد مع الحزن الطويل ... والدموع التي لا تنقطع ونياط القلب التي تتقطع في كل لحظة ، ودعني فقيدي
بقبلات على الراس وكلمات عذبة خاطفة لم اعرها اهتماما لظني بأني ساشبع منها بعد عودته
لكنه خرج الخروج النهائي الذي لا عودة بعده
كان فرحا كأنه يزف إلى عروسه ويريد إنجاز أعماله قبل رمضان ،، أنهى كل ما عليه من واجبات قبلها بيوم وفي يوم وفاته ودعني وودع والده في اجمل ما يكون وذهب......
خوف غريب جعلني اكثر من الدعاء له .؟؟!
ولكن بطبيعتنا البشرية التي لاتعلم ماذا يخبئ لها القدر .. أخذت في التفكير لكني شغلت نفسي بألعمل إلى أن دخل علي والده بعد ساعة من خروج خالد تلك الدخلة البغيضة .. الدخلة التي كانت بداية مأساتي لأسمع بعدها تمتمات وكلمات غير مفهومة .. وارى عيون زائغة ..مفجوعة .. مصدومة ..
انه خبر سيئ.. حادث أليم حدث .. لخالد ؟!
ارتعد قلبي في صدري .. وسرت رعشة في سائر بدني .. وكأن جسدي صعق بتيار كهربائي..
ماذا حدث؟؟ وكيف حدث ؟؟! وأين هو؟! سيل من الأسئلة كان يدور في رأسي حتى كاد رأسي أن ينفجر..
ومن كانت معهم الأجوبة كانت أجوبتهم المقتضبة تزيد قلقي وخوفي...
ومع كل كلمة تقول : الأمر يسير كنت أشعر أن الأمر عسير .. ومع كل كلمة أنه بخير .. كنت أشعر أنه بسوء .. وكأن قلبي يحدثني أن خالد في كرب عظيم ومحنة كبيرة .. ومر الوقت ..... بطيئا .. وأنا لاحول لي ولا قوة .. سوى دموع تنهمر من عيني .. وأفكار تشق رأسي .. وخوف وفزع مما قد يخبأه لي القدر ..
وبعد ساعات بطيئة كانت دقات قلبي أسرع من عجلات السيارة المتوجهة لقرية صغيرة حالمة بين احضان الجبال تبعد عن مقر اقامتنا مئات الكيلومترات حيث كان خالد متوجها لها ...
افكار تدور في رأسي .ياترى كيف هو؟! بخير أم .........؟
ماذا سترى عيني ؟! وهل سيحتمل قلبي ماسأرى؟؟ ونقترب من المستشفى -- ياسبحانك يا الله ويا لقدرتك العجيبة ؟!! فبين ساعات.. تتغير الأحوال .. وازدادت دقات قلبي حتى شعرت بأن أنفاسي ستقطع .. وتقف السيارة ليقفز قلبي من صدري كعصفور جريح يطير يبحث في الممرات والأبواب والغرف عن حبيبه الذي يرقد في مكان مااااا
ولكن .. أين؟!! .. أين؟!!
وفي آخر الممر في قسم الطوارئ غرفة للضماد جلست فيها هي من شاركني الالم والترقب
متأملة أن تأتي لحظة أسمع فيها خبر يعيد ألي الأمل ...وفي لحظات يصرخ بداخلي شيء ليقول خالد .. .. وأقوم مهرولة .. راكضة في الممر ..
وبينما أنا على هذه الحال مابين أمل وتأمل وسؤال وتساؤل ..
يأتي صوت شريك الدرب ...حركة يديه .. لفتاته وائمائته مازالت أمام عيني .. وتخبر أنني ساتلقى أمرا عسيرا . وهي اللحظة التي أشعر أنه سينطق وسيجيب على سؤالي ماذا حدث لخالد ...لماذا لا أراه إلى الآن ؟؟ ويأتي الخبر " الله يعوضنا خيرا مما فقدنا"
كانت الكلمات كسهام مسمومة اخترقت قلبي قبل أذني فهويت ..مات خالد ...!!؟ فقدته للأبد .. ؟؟ لايوجد حل ؟؟! ولا أمل ...!؟ انتهى كل شيء و لايوجد غير الصبر.. أذا ٍ سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري وأصبر حتى يأذن الله في أمري سأصبر حتى يعلم الصبر أني صابر على أمر.. أمر من الصبر ..
وفي غرفة قريبة من الممر الذي اجلس فيه وكنت اتكأت على حائطها كان ثمرة فؤادي مسجى هناك يهيئونه للنقل إلى ثلاجة الأموات ؟؟!!!
لحين تجهيزه لمثواه الأخير .. هذا هو الباب الذي يفصلني عنه كان بابا كسائر الأبواب ولكني في تلك اللحظة رأيته كأبواب القلاع الحصينة , المنيعة وأنا بجانبه كقزم صغير .. بائس .. يائس
وفتح الباب .. وفتحت معه الألم وحسرات لم تنتهي ..
. اااااااااااااااااااه يا خالد
كان شاخص العينين .. مستلقي على السرير .. غارق في الدماء تظهر على رقبته الصغيرة كدمات اوجعتني ومستسلما فقيدي للقدر
. وكان وجهه وجسده العاري يتلألأ نورا وبهاءا .. رأيته في شموخ كشموخ القائد بعد الانتصار
تأملته ..قبلته .. احتضنته حتى اصبح دمه بعض مني دعوت له وبداخلي وبين ضلوعي تلك الصرخة التي كانت ومازالت محبوسة .. ااااااااااااااااااااااااااه يا خالد
أهذا هو ذلك الفتى . الذي كان يملأ الدنيا فرحا وسعادة وحركة منذ ساعات ؟؟
انه يرقد بلا حراك ..بلا تفاعل .. بلا حول له ولا قوة ..
خرجت من تلك الغرفة مذهولة .. أحمل قدمي حملا.. ماذا أفعل؟! إلى أين أذهب ؟! إلى من التجأ؟! إلى من؟؟
ولم أجد غيرك يا ألهي .. أنت ملجأي وملاذي أخذت أدعو وأصرخ .. .. أرسل رحمتك علينا وتلطف به وبنا .......
تحسرت على ذلك الفتى الذي كان مفتون بنفسه وكنت مفتونة به .. تحسرت على شبابه .. تحسرت على أحلامه وأمنياته .. أحلاما وأمنيات لطالما حدثني بها ...
شهادة علمية تمناها .. وزوجة وأبناء رسمهم في خياله .. أحلام وأمنيات صغيرة ومتواضعة ..بريئة كشخصه الجميل .البرئ .
لملمت نفسي وأحزاني وانتظرت تجهيزه ولا زال الذهول يأخذ مني كل مأخذ ولم أعد أدري مالذي يحدث من حولي .. كنت خائرة القوى .. وجسمي لم يعد يستطيع أن يحملني ..
وسقطت في بحر من الأحزان تتقاذفني أمواج الأسى والحسرة .. كنت في صراع مع الحياة .. وكان خالد في صراع مع الموت ..
لتنتصر أرادة الله فأحيا .. وتنتصر أرادة الله ويموت .. كنا في غرفتين منفصلتين لكن أرواحنا تقاسمت الزفرات والسكرات ..وكيف لا نتقاسمها .. وقد كان في يوم من الأيام .. يسكن أحشائي .. فتقاسما معا كل شئى حتى الهواء.
ووصلت لمرحلة أصبح فيها عقلي عاجز عن التفكير في أي شئ سوى خالد
ونسيت كل شئ .. فلم أعد أذكر في الوجوه غير وجه خالد ولم أعد أذكر في الأسماء و حروف الأبجدية سوى حروف أسمه
نظرت حولي سألت .. خالد
ليأتي الخبر خالد ..........؟!؟!
ماذا أكتب ؟! وكيف سأعبر؟؟!
أين سأجد كلمات تعبر عما شعرت به في تلك اللحظة؟
أعود فأستجمع قوتي مرة أخرى ..
هل توجد في قاموس اللغة العربية كلمات يمكنها أن تعبر عما شعرت به في تلك اللحظة.. لا أظن
ومن هول الصدمة.. شعرت أن كل شئ في الكون توقف عقلي ..... قلبي ....... . حتى الأرض توقفت عن الدوران؟! الحياة توقفت ..واكتست حلة سوداء ..
عجز قلبي وعقلي عن الأسيعاب ولم أتقبل فكرة أن خالد لم يعد على قيد الحياة وأنه قد ...............
وسيطرت علي فكرة أنه في مكان ما .. يترقبني ... ينتظرني ... ينادي علي ...
أمي .. تعالي.. . أحتاج أليك..
ضميني إلى صدرك .. .. الموت يطلبني .. لا تتركيه يأخذني ... أنا خائف ..؟!
ولكن... بني .. من يستطيع أن يقف أمام الموت ويمنعه ... لو كان لي من الأمر شئ .. لفديتك بروحي ودمي ..ولكن ما أنا وأنت ؟ ألا مخلوقات ضعيفة أمام قدرة الخالق العظيم .. سبحانه ..
كان كل شئ أكبر من قوة احتمالي ...
فتهاويت ... واستسلمت للقدر ولواقعي المرير ...
وكان لابد أن ألملم أشلائي المبعثرة ... وأستجمع كل قوتي حتى أستطيع أن أصل أليه ..
وأنظر أليه النظرة الأخيرة .. وأودعه الوداع الأخير .......
ويا لقساوة الحروف ويا لبشاعة الكلمات ..
وها أنا مسندة لوداعك الوداع الاخير
امشي وأنا خائرة القوى .. مذبوحة الروح .. مكسورة الوجدان .. أتذكر يوم مولدك...
يوم أتيت إلى هذه الحياة
وقد كنت .. مولودا صغيرا .. بريئا .. باكيا .. عاريا .. ألبسوك قطعا من قماش أبيض وحملوك ألي ..كي أراك ... وأقبلك .. وأستقبلك..
كان هناك أمل , فرح , فقد كانت حياة تبتدئ
واليوم.....ها أنت ترحل من هذه الحياة
وقد أصبحت شابا .. يافعا فتيا ... وعاريا ؟؟
.. ألا من أكفان بيضاء ألبسوها لك..
وهاهم .. يحملوني أليك .. لكي أراك .. وأقبلك .. وأودعك .. لكن اليوم ..يأس , حزن , بكاء ودموع .. وحياة تنتهي ..
وكان المشهد المريع ...!!؟؟
غرفة تفوح من أرجائها رائحة الموت... ولكن أين هو....؟؟! هناك .. مسجيا .. مكفنا .. مستسلما .. جسد بلا روح..
أخذته بين ذراعي .. ضممته إلى صدري
ولأول مرة لم يلفني بذراعيه .. ولم يقبل رأسي كما كان يفعل .. ولأول مره أضمه ولا أسمع دقات قلبه.. ولأول مرة أضمه ولا أشم رائحة أنفاسه ..
أهذا آخر عناق يجمعنا . يا خالد أهذا آخر لقاء وآخر وداع
وأنا .. اليوم .. أودعك .. وأودع معك أحلام جميلة كم تمنيت أن تصبح حقيقة ..
كم تمنيت أن أراك تقف بين زملائك وكأنك الفارس المنتصر مرتديا ( المشلح ) .. تحمل في أحدى يديك شهادة علمية .. وبيدك الأخرى تلوح لي ..
وانا انظر إليك .. مبتهجة .. سعيدة .. أذرف دموع الفرح ..
وهذا حلم آخر.... حلم وأي حلم ..حلم كل أم مثلي ..أنها ليلة عرسك .. أراك فيها .. ترقص فرحا بين أهلك ومحبيك وكأنك البدر في ليلة تمامه ..
ممسكا بيد عروسك .. وانا انظر إليك .. سعيدة .. . ولكن للأسف ضاع الحلم الجميل...
وها أنا أراهم اليوم يحملونك فوق أكتافهم جثمانا يشيعونك إلى مثواك الأخير و أنظر إليك ... مفجوعة ... ملتاعة .. مكلومة ..
أذرف دموع الحزن والأسى ..
وانا الآن وبعد مرور أيام طوال على رحيلك .. مازلت أتجرع كأس المرارة والحسرة انظر حولي فأرى طيفك في كل زاوية وركن من أركان بيتنا .. البيت الذي شهد مراحل عمرك القصير ..
هذا سريرك أصبح خاليا ألا من بقايا رائحة عطر في وسادتك ..
وهذه خزانة ملابسك .. أصبحت فارغة ألا من كلمات خطيتها بيدك للذكرى وكأنك كنت تعلم انك سترحل وستبقى هي..
هذه نظارتك ..وهذا كتابك وتلك اوراق خططت فيها عبارات عذبة لأمك وهذه مذكراتك !!..
هذا قلمك وهذه دفاترك
وهذا عطرك وهذه ساعتك
فسلاما لك من رحم ضمك جنينا في أحشائه ..
وسلام لك من صدر أرضعك محبة وحنانا من قبل أن يرضعك غذاء ..
وسلام لك من عين لاحظتك وأنت تكبر وتترعرع حتى أصبحت فتى ..
وسلام لك من قلب كان وجودك له فرحه وأصبح فراقك عنه حسرة
سلام لك وعليك .. يامن كنت كغمامة بيضاء مليئة بالرحمة يا فرحة سنيني وأيامي ...
رحلت يا خالد ..
رحلت .. وفراقك أدمى قلوبنا ..
رحلت عن دنيانا .... ولكن عزائي الوحيد ..أنك في جوار ربك... عند ملك الملوك .. عند ذو الجلال والإكرام الرحمن الرحيم .. عند من هو أحن عليك مني سبحانه ......
فارقد .. قرير العين ..مطمئن النفس..فمنذ فترة هجرتهما .. أخذني شعور جارف بالحاجة إليهما ..
فلقد كانا من أقرب الأصدقاء ألى نفسي .. فلطالما أسررت لهما بما يجول في خاطري من أحاسيس ومشاعر .. وما أمر به من لحظات فرح وحزن , أمل ويأس , حيرة وترقب.. ولكني اليوم .. وما أمر به من مصيبة عظيمة , وبلية جسيمة في فقدي.. لفلذة كبدي , وقرة عيني , وريحانة فؤادي .. ابني الغالي خالد أجد نفسي أحوج ما أكون للكتابة لعلني أنفس عن ذلك البركان الذي يثور بداخلي.. ..فلم أجد غير هذه الأوراق بعد الله أبث لها ألمي وحزني .. بعد أن عجز لساني عن التعبير..
أيام عشتها وأعيشها لم أعش مثلها .. منذ أن بثت الروح في جسدي وفتحت عيني على هذه الحياة.. أيام عصيبة, ثقيلة , ثوانيها ألم , ودقائقها حزن وساعاتها مرارة وحسره..
مرت ومازالت تمر أمام عيني كشريط ينتهي ليبتدئ من جديد .. فيلم حقيقي لقصة واقعية عشت تفاصيلها لحظة بلحظة وبكل ذرة من كياني ....فيلم وضع السيناريو والحوار له القدر .
في ذلك الصباح كنت على موعد مع الحزن الطويل ... والدموع التي لا تنقطع ونياط القلب التي تتقطع في كل لحظة ، ودعني فقيدي
بقبلات على الراس وكلمات عذبة خاطفة لم اعرها اهتماما لظني بأني ساشبع منها بعد عودته
لكنه خرج الخروج النهائي الذي لا عودة بعده
كان فرحا كأنه يزف إلى عروسه ويريد إنجاز أعماله قبل رمضان ،، أنهى كل ما عليه من واجبات قبلها بيوم وفي يوم وفاته ودعني وودع والده في اجمل ما يكون وذهب......
خوف غريب جعلني اكثر من الدعاء له .؟؟!
ولكن بطبيعتنا البشرية التي لاتعلم ماذا يخبئ لها القدر .. أخذت في التفكير لكني شغلت نفسي بألعمل إلى أن دخل علي والده بعد ساعة من خروج خالد تلك الدخلة البغيضة .. الدخلة التي كانت بداية مأساتي لأسمع بعدها تمتمات وكلمات غير مفهومة .. وارى عيون زائغة ..مفجوعة .. مصدومة ..
انه خبر سيئ.. حادث أليم حدث .. لخالد ؟!
ارتعد قلبي في صدري .. وسرت رعشة في سائر بدني .. وكأن جسدي صعق بتيار كهربائي..
ماذا حدث؟؟ وكيف حدث ؟؟! وأين هو؟! سيل من الأسئلة كان يدور في رأسي حتى كاد رأسي أن ينفجر..
ومن كانت معهم الأجوبة كانت أجوبتهم المقتضبة تزيد قلقي وخوفي...
ومع كل كلمة تقول : الأمر يسير كنت أشعر أن الأمر عسير .. ومع كل كلمة أنه بخير .. كنت أشعر أنه بسوء .. وكأن قلبي يحدثني أن خالد في كرب عظيم ومحنة كبيرة .. ومر الوقت ..... بطيئا .. وأنا لاحول لي ولا قوة .. سوى دموع تنهمر من عيني .. وأفكار تشق رأسي .. وخوف وفزع مما قد يخبأه لي القدر ..
وبعد ساعات بطيئة كانت دقات قلبي أسرع من عجلات السيارة المتوجهة لقرية صغيرة حالمة بين احضان الجبال تبعد عن مقر اقامتنا مئات الكيلومترات حيث كان خالد متوجها لها ...
افكار تدور في رأسي .ياترى كيف هو؟! بخير أم .........؟
ماذا سترى عيني ؟! وهل سيحتمل قلبي ماسأرى؟؟ ونقترب من المستشفى -- ياسبحانك يا الله ويا لقدرتك العجيبة ؟!! فبين ساعات.. تتغير الأحوال .. وازدادت دقات قلبي حتى شعرت بأن أنفاسي ستقطع .. وتقف السيارة ليقفز قلبي من صدري كعصفور جريح يطير يبحث في الممرات والأبواب والغرف عن حبيبه الذي يرقد في مكان مااااا
ولكن .. أين؟!! .. أين؟!!
وفي آخر الممر في قسم الطوارئ غرفة للضماد جلست فيها هي من شاركني الالم والترقب
متأملة أن تأتي لحظة أسمع فيها خبر يعيد ألي الأمل ...وفي لحظات يصرخ بداخلي شيء ليقول خالد .. .. وأقوم مهرولة .. راكضة في الممر ..
وبينما أنا على هذه الحال مابين أمل وتأمل وسؤال وتساؤل ..
يأتي صوت شريك الدرب ...حركة يديه .. لفتاته وائمائته مازالت أمام عيني .. وتخبر أنني ساتلقى أمرا عسيرا . وهي اللحظة التي أشعر أنه سينطق وسيجيب على سؤالي ماذا حدث لخالد ...لماذا لا أراه إلى الآن ؟؟ ويأتي الخبر " الله يعوضنا خيرا مما فقدنا"
كانت الكلمات كسهام مسمومة اخترقت قلبي قبل أذني فهويت ..مات خالد ...!!؟ فقدته للأبد .. ؟؟ لايوجد حل ؟؟! ولا أمل ...!؟ انتهى كل شيء و لايوجد غير الصبر.. أذا ٍ سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري وأصبر حتى يأذن الله في أمري سأصبر حتى يعلم الصبر أني صابر على أمر.. أمر من الصبر ..
وفي غرفة قريبة من الممر الذي اجلس فيه وكنت اتكأت على حائطها كان ثمرة فؤادي مسجى هناك يهيئونه للنقل إلى ثلاجة الأموات ؟؟!!!
لحين تجهيزه لمثواه الأخير .. هذا هو الباب الذي يفصلني عنه كان بابا كسائر الأبواب ولكني في تلك اللحظة رأيته كأبواب القلاع الحصينة , المنيعة وأنا بجانبه كقزم صغير .. بائس .. يائس
وفتح الباب .. وفتحت معه الألم وحسرات لم تنتهي ..
. اااااااااااااااااااه يا خالد
كان شاخص العينين .. مستلقي على السرير .. غارق في الدماء تظهر على رقبته الصغيرة كدمات اوجعتني ومستسلما فقيدي للقدر
. وكان وجهه وجسده العاري يتلألأ نورا وبهاءا .. رأيته في شموخ كشموخ القائد بعد الانتصار
تأملته ..قبلته .. احتضنته حتى اصبح دمه بعض مني دعوت له وبداخلي وبين ضلوعي تلك الصرخة التي كانت ومازالت محبوسة .. ااااااااااااااااااااااااااه يا خالد
أهذا هو ذلك الفتى . الذي كان يملأ الدنيا فرحا وسعادة وحركة منذ ساعات ؟؟
انه يرقد بلا حراك ..بلا تفاعل .. بلا حول له ولا قوة ..
خرجت من تلك الغرفة مذهولة .. أحمل قدمي حملا.. ماذا أفعل؟! إلى أين أذهب ؟! إلى من التجأ؟! إلى من؟؟
ولم أجد غيرك يا ألهي .. أنت ملجأي وملاذي أخذت أدعو وأصرخ .. .. أرسل رحمتك علينا وتلطف به وبنا .......
تحسرت على ذلك الفتى الذي كان مفتون بنفسه وكنت مفتونة به .. تحسرت على شبابه .. تحسرت على أحلامه وأمنياته .. أحلاما وأمنيات لطالما حدثني بها ...
شهادة علمية تمناها .. وزوجة وأبناء رسمهم في خياله .. أحلام وأمنيات صغيرة ومتواضعة ..بريئة كشخصه الجميل .البرئ .
لملمت نفسي وأحزاني وانتظرت تجهيزه ولا زال الذهول يأخذ مني كل مأخذ ولم أعد أدري مالذي يحدث من حولي .. كنت خائرة القوى .. وجسمي لم يعد يستطيع أن يحملني ..
وسقطت في بحر من الأحزان تتقاذفني أمواج الأسى والحسرة .. كنت في صراع مع الحياة .. وكان خالد في صراع مع الموت ..
لتنتصر أرادة الله فأحيا .. وتنتصر أرادة الله ويموت .. كنا في غرفتين منفصلتين لكن أرواحنا تقاسمت الزفرات والسكرات ..وكيف لا نتقاسمها .. وقد كان في يوم من الأيام .. يسكن أحشائي .. فتقاسما معا كل شئى حتى الهواء.
ووصلت لمرحلة أصبح فيها عقلي عاجز عن التفكير في أي شئ سوى خالد
ونسيت كل شئ .. فلم أعد أذكر في الوجوه غير وجه خالد ولم أعد أذكر في الأسماء و حروف الأبجدية سوى حروف أسمه
نظرت حولي سألت .. خالد
ليأتي الخبر خالد ..........؟!؟!
ماذا أكتب ؟! وكيف سأعبر؟؟!
أين سأجد كلمات تعبر عما شعرت به في تلك اللحظة؟
أعود فأستجمع قوتي مرة أخرى ..
هل توجد في قاموس اللغة العربية كلمات يمكنها أن تعبر عما شعرت به في تلك اللحظة.. لا أظن
ومن هول الصدمة.. شعرت أن كل شئ في الكون توقف عقلي ..... قلبي ....... . حتى الأرض توقفت عن الدوران؟! الحياة توقفت ..واكتست حلة سوداء ..
عجز قلبي وعقلي عن الأسيعاب ولم أتقبل فكرة أن خالد لم يعد على قيد الحياة وأنه قد ...............
وسيطرت علي فكرة أنه في مكان ما .. يترقبني ... ينتظرني ... ينادي علي ...
أمي .. تعالي.. . أحتاج أليك..
ضميني إلى صدرك .. .. الموت يطلبني .. لا تتركيه يأخذني ... أنا خائف ..؟!
ولكن... بني .. من يستطيع أن يقف أمام الموت ويمنعه ... لو كان لي من الأمر شئ .. لفديتك بروحي ودمي ..ولكن ما أنا وأنت ؟ ألا مخلوقات ضعيفة أمام قدرة الخالق العظيم .. سبحانه ..
كان كل شئ أكبر من قوة احتمالي ...
فتهاويت ... واستسلمت للقدر ولواقعي المرير ...
وكان لابد أن ألملم أشلائي المبعثرة ... وأستجمع كل قوتي حتى أستطيع أن أصل أليه ..
وأنظر أليه النظرة الأخيرة .. وأودعه الوداع الأخير .......
ويا لقساوة الحروف ويا لبشاعة الكلمات ..
وها أنا مسندة لوداعك الوداع الاخير
امشي وأنا خائرة القوى .. مذبوحة الروح .. مكسورة الوجدان .. أتذكر يوم مولدك...
يوم أتيت إلى هذه الحياة
وقد كنت .. مولودا صغيرا .. بريئا .. باكيا .. عاريا .. ألبسوك قطعا من قماش أبيض وحملوك ألي ..كي أراك ... وأقبلك .. وأستقبلك..
كان هناك أمل , فرح , فقد كانت حياة تبتدئ
واليوم.....ها أنت ترحل من هذه الحياة
وقد أصبحت شابا .. يافعا فتيا ... وعاريا ؟؟
.. ألا من أكفان بيضاء ألبسوها لك..
وهاهم .. يحملوني أليك .. لكي أراك .. وأقبلك .. وأودعك .. لكن اليوم ..يأس , حزن , بكاء ودموع .. وحياة تنتهي ..
وكان المشهد المريع ...!!؟؟
غرفة تفوح من أرجائها رائحة الموت... ولكن أين هو....؟؟! هناك .. مسجيا .. مكفنا .. مستسلما .. جسد بلا روح..
أخذته بين ذراعي .. ضممته إلى صدري
ولأول مرة لم يلفني بذراعيه .. ولم يقبل رأسي كما كان يفعل .. ولأول مره أضمه ولا أسمع دقات قلبه.. ولأول مرة أضمه ولا أشم رائحة أنفاسه ..
أهذا آخر عناق يجمعنا . يا خالد أهذا آخر لقاء وآخر وداع
وأنا .. اليوم .. أودعك .. وأودع معك أحلام جميلة كم تمنيت أن تصبح حقيقة ..
كم تمنيت أن أراك تقف بين زملائك وكأنك الفارس المنتصر مرتديا ( المشلح ) .. تحمل في أحدى يديك شهادة علمية .. وبيدك الأخرى تلوح لي ..
وانا انظر إليك .. مبتهجة .. سعيدة .. أذرف دموع الفرح ..
وهذا حلم آخر.... حلم وأي حلم ..حلم كل أم مثلي ..أنها ليلة عرسك .. أراك فيها .. ترقص فرحا بين أهلك ومحبيك وكأنك البدر في ليلة تمامه ..
ممسكا بيد عروسك .. وانا انظر إليك .. سعيدة .. . ولكن للأسف ضاع الحلم الجميل...
وها أنا أراهم اليوم يحملونك فوق أكتافهم جثمانا يشيعونك إلى مثواك الأخير و أنظر إليك ... مفجوعة ... ملتاعة .. مكلومة ..
أذرف دموع الحزن والأسى ..
وانا الآن وبعد مرور أيام طوال على رحيلك .. مازلت أتجرع كأس المرارة والحسرة انظر حولي فأرى طيفك في كل زاوية وركن من أركان بيتنا .. البيت الذي شهد مراحل عمرك القصير ..
هذا سريرك أصبح خاليا ألا من بقايا رائحة عطر في وسادتك ..
وهذه خزانة ملابسك .. أصبحت فارغة ألا من كلمات خطيتها بيدك للذكرى وكأنك كنت تعلم انك سترحل وستبقى هي..
هذه نظارتك ..وهذا كتابك وتلك اوراق خططت فيها عبارات عذبة لأمك وهذه مذكراتك !!..
هذا قلمك وهذه دفاترك
وهذا عطرك وهذه ساعتك
فسلاما لك من رحم ضمك جنينا في أحشائه ..
وسلام لك من صدر أرضعك محبة وحنانا من قبل أن يرضعك غذاء ..
وسلام لك من عين لاحظتك وأنت تكبر وتترعرع حتى أصبحت فتى ..
وسلام لك من قلب كان وجودك له فرحه وأصبح فراقك عنه حسرة
سلام لك وعليك .. يامن كنت كغمامة بيضاء مليئة بالرحمة يا فرحة سنيني وأيامي ...
رحلت يا خالد ..
رحلت .. وفراقك أدمى قلوبنا ..
رحلت عن دنيانا .... ولكن عزائي الوحيد ..أنك في جوار ربك... عند ملك الملوك .. عند ذو الجلال والإكرام الرحمن الرحيم .. عند من هو أحن عليك مني سبحانه ......
فأمك راضية عنك تمام الرضا .. ومنتهى الرضا تدعو لك ليل .. نهار مع كل أشراقة شمس .. ومع كل غروب .. أن يجعلك الله من أصحاب اليمين , تنعم في جنات الفردوس
في سدر مخضود , وطلح منضود , وظل ممدود , وماء مسكوب , وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة ..........وأن يجمعني الله بك في مستقر رحمته ..فإلى لقاء قريب لقاء ليس بعده فراق.