ثقافة الإستعراض بلا هدف
هناك ثقافات عديدة ، ووفق التطور السريع نشأت ثقافات جديدة منها المفيدة ومنها المقيتة .
ففي العالم أجمع نجد أن وسائل التواصل الاجتماعي المعتمدة على الصُور (مثل الإنستغرام والسنابتشات) وسيلة للاستعراض البصري السلبي لدى البعض ، وهذا لا يقتصر على بقعة أو فئة معينة، فنجد ثقافة الاستعراض موجودة ومعروفة حتى صار الأطفال يفتحون قنوات على اليوتيوب ويستعرضون فيها يومياتهم، وآخر ما اشتروا، وأحدث ما صنعوا، بدون هدف أو فائدة مرجوة ، أصبح لكلٍّ منبر، ولكلٍّ منصّة في سوق، كان في يوم ناديًا حصريّا لأهله المُختارين.
وهذا امتداد طبيعي لما فعله الإنترنت من كسر التقليدية والمركزية.
فكما أن سُلطة المخرج تراجعت، وصار الناس يصورون، و"يمنتجون"، ويُخرجون أفلامهم بأيديهم، سقطت كذلك حصرية مسألة "النجومية" وما يرتبط بها من قوة تسويقية، وسلطة تحريك الجماهير، ففي السابق، كانت تلك السلطة النجوميّة محتكرة في المشاهير الذين منّ عليهم التلفاز ووسائل الإعلام التقليدية بعباءة النجومية الثمينة، وبعد أن سُحب البساط من الوسائل ذات القبضة الحديدية، انفرطت حبّات المسبحة، والتقطها مَن التقطها.
وهنايأتي دور الصورة ، نحن نعلم أن للصورة قوة ، فمن خلال الصور نحصل على الشُهرة، والشعبيّة، والحظوة لدى الجماهير، ولا نريد أن ندخل هنا في الجدل القديم "المخرج عاوز كده" مقابل "الجمهور عاوز كده"، بل السؤال هنا، كيف أمكن أن يقبل كل هذا الجمهور ما يقدمه (المستعرضون) ويتأثرون بهم؟!
الجواب: بقوّة الصورة، البصر لدى الإنسان حاسة فورية، لا تحتاج إلى ترجمة أو توضيح ، فالصورة يمكنها أن تشلّ قدرات الإنسان العقلية لوقت ما، بعكس السمع مثلا الذي يحتاج لإنصات وعرض على العقل ليفهم، وبعكس القراءة التي تحتاج إلى عمليات أكثر تعقيداً لأن فيها تجريداً ومع تواتر القصف البصري على عين الإنسان، تتغير المألوفات، حتى القيم تتغير، ويصير المبذول مقبولا، ويصير العيب عادة ظريفة، نعم إنّه نوع من التطبيع!
إذن أين تكمن المشكلة ؟
نجد في بداية الأمر عند ظهور بعض ( المستعرضيين ) لم يرحب بهم الجميع ، بل قاوموا في البداية بالامتعاض، وكي يعبروا عن امتعاضهم قاموا بفعل غير مقبول ، أخذوا ينشروا ما يروا مع تعليق يتضجرون فيه على ما يحدث، ولأن البشر لديهم فضول خاصةً للأمور التي فيها( سرّية أو خصوصية والشعور بالحصول على شيء خاص ونادر)، فيقودهم الفضول للبحث عن المصدر الأم، ثم متابعته ربما بنية طيبة وهي الإنكار، أو معرفة ما يحدث في هذا العالم لحماية النفس والأبناء، ثم مع تكرار القصف، يحدث التطبيع، ثم الألفة، ثم المحبّة، ثم الإتّباع!
وحينما وجد المجتمع أنّ الأمر خرج عن يده، وصار ( المستعرضون ) كالأبيات الشاردة، تحل وتربط وتفرض قوانين اللعبة، صرخ المجتمع واستغاث، لكن بعد فوات الأوان!
الآن صار الصولجان في أيديهم ، لقد فاتتنا النصيحة الثمينة "أميتوا الباطل بالسكوت عنه". والسكوت هنا ليس السكوت عن إنكاره بالقلب أو اللسان واليد، بل السكوت عن إثارة الضجة حوله، هذه الضجة التي تخدمه أيما خدمة، تلك الضجة التي تأتيه كل يوم بعدد من المتابعين، والإعجابات، والتعليقات.
في عصر ( الإستعراض) لا موهبة إلا جمال الشكل والملابس والأماكن ، ولا صوت يعلو على صوت الاستعراض، وأحيانا الاستفزاز، هذا وحده يحرّك أفواج المتابعين، وبما أن هؤلاء لا يحتاجون لموهبة خاصة أو دراسة متخصصة ليغدو نجوم يحركون قلوب الملايين، وتدير رؤوسهم، وتصنع قناعاتهم، وتفرغ جيوبهم، صار البعض منهم ملهم للآخرين يمشون على نفس خطاه ، وأصبح حلمهم أن يكونوا مثله ، وبعد أن كانت "قيمة المرء ما يحسنه" كما قال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، صارت قيمة المرء بعدد متابعيه، حتى أن هناك من يعرض أن يبيعك متابعين وهميين! في عالم كميّ يُرَسْمِل كل شيء، ويعدُّ الإنسان رقماً في إحصائية ما.
نصيحتي لك :
أنت صانع هؤلاء المستعرضين بيديك، أنت من كثّرَ سوادهم ، فلا تتابعهم وتهتم لأمرهم ، ولا تساعد في نشر أخبارهم، وإلا فإنّ الطوفان لن يوفّر أحدا.
ففي العالم أجمع نجد أن وسائل التواصل الاجتماعي المعتمدة على الصُور (مثل الإنستغرام والسنابتشات) وسيلة للاستعراض البصري السلبي لدى البعض ، وهذا لا يقتصر على بقعة أو فئة معينة، فنجد ثقافة الاستعراض موجودة ومعروفة حتى صار الأطفال يفتحون قنوات على اليوتيوب ويستعرضون فيها يومياتهم، وآخر ما اشتروا، وأحدث ما صنعوا، بدون هدف أو فائدة مرجوة ، أصبح لكلٍّ منبر، ولكلٍّ منصّة في سوق، كان في يوم ناديًا حصريّا لأهله المُختارين.
وهذا امتداد طبيعي لما فعله الإنترنت من كسر التقليدية والمركزية.
فكما أن سُلطة المخرج تراجعت، وصار الناس يصورون، و"يمنتجون"، ويُخرجون أفلامهم بأيديهم، سقطت كذلك حصرية مسألة "النجومية" وما يرتبط بها من قوة تسويقية، وسلطة تحريك الجماهير، ففي السابق، كانت تلك السلطة النجوميّة محتكرة في المشاهير الذين منّ عليهم التلفاز ووسائل الإعلام التقليدية بعباءة النجومية الثمينة، وبعد أن سُحب البساط من الوسائل ذات القبضة الحديدية، انفرطت حبّات المسبحة، والتقطها مَن التقطها.
وهنايأتي دور الصورة ، نحن نعلم أن للصورة قوة ، فمن خلال الصور نحصل على الشُهرة، والشعبيّة، والحظوة لدى الجماهير، ولا نريد أن ندخل هنا في الجدل القديم "المخرج عاوز كده" مقابل "الجمهور عاوز كده"، بل السؤال هنا، كيف أمكن أن يقبل كل هذا الجمهور ما يقدمه (المستعرضون) ويتأثرون بهم؟!
الجواب: بقوّة الصورة، البصر لدى الإنسان حاسة فورية، لا تحتاج إلى ترجمة أو توضيح ، فالصورة يمكنها أن تشلّ قدرات الإنسان العقلية لوقت ما، بعكس السمع مثلا الذي يحتاج لإنصات وعرض على العقل ليفهم، وبعكس القراءة التي تحتاج إلى عمليات أكثر تعقيداً لأن فيها تجريداً ومع تواتر القصف البصري على عين الإنسان، تتغير المألوفات، حتى القيم تتغير، ويصير المبذول مقبولا، ويصير العيب عادة ظريفة، نعم إنّه نوع من التطبيع!
إذن أين تكمن المشكلة ؟
نجد في بداية الأمر عند ظهور بعض ( المستعرضيين ) لم يرحب بهم الجميع ، بل قاوموا في البداية بالامتعاض، وكي يعبروا عن امتعاضهم قاموا بفعل غير مقبول ، أخذوا ينشروا ما يروا مع تعليق يتضجرون فيه على ما يحدث، ولأن البشر لديهم فضول خاصةً للأمور التي فيها( سرّية أو خصوصية والشعور بالحصول على شيء خاص ونادر)، فيقودهم الفضول للبحث عن المصدر الأم، ثم متابعته ربما بنية طيبة وهي الإنكار، أو معرفة ما يحدث في هذا العالم لحماية النفس والأبناء، ثم مع تكرار القصف، يحدث التطبيع، ثم الألفة، ثم المحبّة، ثم الإتّباع!
وحينما وجد المجتمع أنّ الأمر خرج عن يده، وصار ( المستعرضون ) كالأبيات الشاردة، تحل وتربط وتفرض قوانين اللعبة، صرخ المجتمع واستغاث، لكن بعد فوات الأوان!
الآن صار الصولجان في أيديهم ، لقد فاتتنا النصيحة الثمينة "أميتوا الباطل بالسكوت عنه". والسكوت هنا ليس السكوت عن إنكاره بالقلب أو اللسان واليد، بل السكوت عن إثارة الضجة حوله، هذه الضجة التي تخدمه أيما خدمة، تلك الضجة التي تأتيه كل يوم بعدد من المتابعين، والإعجابات، والتعليقات.
في عصر ( الإستعراض) لا موهبة إلا جمال الشكل والملابس والأماكن ، ولا صوت يعلو على صوت الاستعراض، وأحيانا الاستفزاز، هذا وحده يحرّك أفواج المتابعين، وبما أن هؤلاء لا يحتاجون لموهبة خاصة أو دراسة متخصصة ليغدو نجوم يحركون قلوب الملايين، وتدير رؤوسهم، وتصنع قناعاتهم، وتفرغ جيوبهم، صار البعض منهم ملهم للآخرين يمشون على نفس خطاه ، وأصبح حلمهم أن يكونوا مثله ، وبعد أن كانت "قيمة المرء ما يحسنه" كما قال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، صارت قيمة المرء بعدد متابعيه، حتى أن هناك من يعرض أن يبيعك متابعين وهميين! في عالم كميّ يُرَسْمِل كل شيء، ويعدُّ الإنسان رقماً في إحصائية ما.
نصيحتي لك :
أنت صانع هؤلاء المستعرضين بيديك، أنت من كثّرَ سوادهم ، فلا تتابعهم وتهتم لأمرهم ، ولا تساعد في نشر أخبارهم، وإلا فإنّ الطوفان لن يوفّر أحدا.