المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 12 مايو 2024
مصلح الخديدي
مصلح الخديدي

اللحم لكم والعظم لنا


في كل إجازة صيفية أقضيهابين الأهل والأحبة تمر كلمعان البرق ولمح البصر ، ويدق ناقوس السفر إذاناً بالعودة والرحيل من مسقط راسي بني سعد وتحديداً من معشوقتي قرية الدار الحمراء خديد لأتجه لمقر إقامتي الدائم حفر الباطن ، بِسْم الله وعلى بركة الله هذا حال الدنيا نزولاً ثم إرتحالاً ..
عزيزي القاريء :
اثنا سفري وعودتي شعرت بإرهاق وتعب لا أعلم له سبباً مما جعلني أتنحى عن مواصلة الرحلة لأبحث عن مكان أرتاح فيه قليلاً من وعثاء السفر ، قد يكن تقدماً في العمر أو دفع وتآخير عن أمراًما والله أعلم ، فأثناء البحث قابلني معلم فاضل لم أره منذ أن تركت مقاعد الدراسة ، ناداني باسمي ثم إستوقفني وذكرني باسمه وقال : معك الاستاذ ... وقبل أن نتبادل أطراف الحديث معاً والسؤال عن الحال والأحوال ، أغمضت عيني لثوان معدودة لاستدراك ماضياً جميلاً ولتبدو الصورة أصفى وأنقى ، تذكرت خلالها مدرستي الابتدائية في قرية الدار الحمراء خديد ببني سعد ، ومدرسة دار التوحيد بالطائف ، تذكرت حقيبتي وادواتي ودفاتري وكتبي ، تذكرت سطوة المعلم وخطواته داخل المدرسه ، تذكرت مهابة المعلم حينما يمشي في القرية أيام العطل الأسبوعية وكيف نَفَر هاربين لكي لايرانا ، تذكرت مكانته في مجالس أبائنا وأهميته في مجتمعنا ، تذكرت كميات الواجبات المرهقة المضنية بكتابة قطعة ما عشرات المرات ، أوحفظ قصائد ونصوص ورسم خرائط ومثلثات والتي كانت تعطى لنا قبل إجازة الأعياد أو الربيع ، تذكرت أن الغياب كان من المحرمات وأن آخر يوم في المدرسة لاتسجل فيه آي غيابات إطلاقاً ، تذكرت التطعيمات الطبية التي كانت تجرى في مدرستي ، تذكرت أن المرور من أمام غرفة المدير يتطلب شجاعة عنتره وإقدام خالد بن الوليد ، تذكرت العصى و( الفلكة ) التي ذاق طعمها وألمها الجميع ولو كان من المتفوقين ، تذكرت أساتذتي الفضلاء ، تذكرت زمناً جميلاً عن التعليم ، وأخيراً تذكرت ( اللحم لك والعظم لنا ) وفتحت عيني وإنقطع البث والصورة الجميلة بمخيلتي لتلك المرحلة التعليمية ، ثم بادرته بقول الشاعر:
‎قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا ... كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا
إبتسم ثم تنهد الصعداء وقال : آي معلم ؟ وآي رسول ؟ تبسمت وأنا أشعر بتلك الرجفة والهيبة التي كنا نشعر بها أمام المعلم . تجاذبنا أطراف الحديث من هنا وهناك وفي أثناء الحديث قال : لقد وصلت لمنصب مدير مدرسه ًومن ثم تقاعدت ، فبادرته بسؤال فضولي لأسئله عن حال التعليم علماً أنه ليس لي علاقة بالتعليم ولكن من باب( الدردشة )فتبسم وقال : من آين لك أبدأ لكي أنتهي ، ولكن أبشر سأبدأ لك قبيل تقاعدي بسنوات عدة ، أما قبل ذلك فلايحتاج شرح . قلت نعم كان ( اللحم لكم والعظم لهم ) ضحك ثم إستطرد فالحديث قائلاً : أصبحت لدينا أنظمة وقوانين تأتي مع كل وزير جديد ، وآليات رمادية ضبابية تمشي بالتعليم كطريق الحية على الرمال .. قاطعته وقلت كيف ؟ قال : لقد أصبحنا متأرجحين في كل يوم وكل إسبوع نتلقى ما معدله 20 تعميماً تقريباً ، مابين سري وسري للغاية وللاطلاع وغيرهامن تلك الديباجات ، بعضها ينقض قانوناً مكتوباً وبعضها يغير وبعضها يمسح ويضيف حتى أصبحنا لانعلم آين الطريق ، وبعضها يستدعي الذهاب لمقر إدارة التعليم لاستلام التعميم رسمياً وكأن التعليم لدينا تحول إلى منشأت عسكرية صارمة قاسية ، والمصيبة فيما ذكرت لك أن معظمها طلب بيانات مدرسية تخص معلمين أو طلاباً أو نتائج مواد وجميعها متوفرة في برنامج ( نور ) ولكن لا يريدون أن يعملوا بل يستمتعوا حينما يشغلونا عن إدارة مدارسنا . وشدني الحوار معه ثم قاطعته ثانيه لأسئله عن حال معلم اليوم وهوالأهم في العملية التربوية التعليمية ، قال لي التعليم هذا اليوم يعاني بشكل يومي من نوعية بعض المعلمين سواء بتأخرهم عن الحضور أوكثرة إستئذانهم وغيابهم بعذر أو بدون عذر دون أن يعي البعض مدى تأثير ذلك على العملية التربوية والتعليمية للطلاب . وما يزيد ( الطين بلة ) هو وجود معلمين أكفاء يُشار إليهم بالبنان في نفس المدرسة وفِي نهاية العام جميعهم يحصلون على نفس الترقية والعلاوة .. نظاماً عقيم جداً يا أبا مفيد في محاسبة المقصر وبنفس الوقت بمكافأت التميز ..
عزيزي القاريء :
حقيقة صدمت بما علمت رغم أن التعليم ليس بمجالي ، فقلت له : هل من مزيد؟ قال : نعم أصبح هناك محسوبيات وعلاقات تربط الأطراف جميعاً من مشرف تربوي إلى مشرف تعليمي ومشرف مكتب وغيرها من تلك المسميات ولها دور في ذلك وأكثر مايقود تلك المحسوبيات المقولة الشهيرة ( قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ) حتى أصبح الطلاب مجرد قطعان من الماشية لاينقصهم سوى الشعير . ثم قاطعته .. وقلت له : ولكن تلك مصيبة عظيمه تستدعي تدخل المسؤل ؟ فقال لقد عجزت الوزارة بكوادرها وقوانينها وآلياتها عن علاج تلك الظاهرة التي قوضت مستوى تربية وتعليم الأبناء ، وهذا ما ساهم في وجود آلاف من المدارس الخاصة والتي إتجه لها ميسورو الحال رغبة منهم في تعليم أفضل وتربية أشمل لأبنائهم ، ومعظمها مملوكة لبعض منسوبي وزارة التربية والتعليم بمسميات مختلفة . . وهناك أيضاً مشكلة مستمرة من وزارة الخدمة المدنية التي تضخ سنوياً آلاف المعلمين لوزارة التربية والتعليم دون مقابلات شخصية تربوية متخصصة لضمان إنتقاء الأفضل منهم لسلك التربية والتعليم . ثم قاطعته لاسئله عن حال تعليم بناتنا . قال : مما أعلمه أن الجانب النسائي أفضل بكثير جداً من الناحية التربوية والتعليمية للمعلمات ، وأتمنى أن يكن تعليم الصفوف الأولية من إختصاص المعلمات أقولها من واقع تجربة تعليمي لأبنائي في مدارس خاصة فمن يحرمها أو يجرمها فيأتنا بسلطان مبين ، التعليم طالما انه لايخالف الشريعة فهو مانريده ، أما إذا خالف الأعراف فذلك من صنع الإنسان ولا نأثم بمخالفته ..
عند هذا الحد أنهيت الحوار مع أستاذي الفاضل وإستاذنت منه بالإنصراف وقلت يكفي ما سمعت منك فأنا مرهق من السفر وليكن للحديث بقية ..

ختاماً :
آين الحسيب وآين الرقيب لمن خان أمانة التعليم ضاربين عرض الحائط بمعنى كلمة ( معلم ) آين الضمير والوطنية ، وماهو مصير الأجيال القادمة .
بواسطة : مصلح الخديدي
 0  0  14.0K