المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الإثنين 25 نوفمبر 2024

إنه .. الحسد .. !!

جواذب الدنيا .. ! د. عيسى بن عبد الله الغيث تأملت التحاسد بين الدعاة؛ فرأيت منشأة من حب الدنيا، فإن دعاة الآخرة يتوادون ولا يتحاسدون، كما قال عز وجل : {ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتو} وقال تعالى : {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا}، وقد كان ابو الدرداء يدعو كل ليلة لجماعة من إخوانه، وقال الإمام أحمد بن حنبل لولد الشافعي: أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل ليلة وقت السحر. والأمر الفارق بين الفئتين: ان دعاة الدنيا ينظرون في الرياسة فيها، ويحبون كثرة الجمع والثناء، ودعاة الآخرة بمعزل من إيثار ذلك، وقد كانوا يتخوفون ويرحمون من بُلي به، وكان النخعي لا يستند إلى سارية، وقال علقمة: أكره أن يوطأ عقبي، ويقال: علقمة، وكان بعضهم: إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام عنهم، وكانوا يتدافعون الفتوى، ومثل القوم كمثل راكب البحر وقد خب فعنده شغل إلى أن يوقن بالنجاة، وإنما كان بعضهم يعو لبعض ويستفيد منهم لأنهم ركب تصاحبوا فتوادوا والأيام والليالي مراحلهم إلى سفر الجنة. كما أنني رأيت الناس يذمون الحاسد ويبالغون ويقولون: لا يحسد إلا شرير يعادي نعمة الله ولا يرضى بقضائه، ويبخل على أخيه المسلم، فنظرت في هذا فما رأيته كذلك، وإنما ذلك الإنسان أنه لا يحب أن يرتفع عليه أحد، فإذا رأى صديقه قد علا تأثر هو، ولم يحب أن يرتفع عليه، وود أن لو لم ينل صديقه ما ينال، أو أن ينال هو مانال ذلك لئلا يرتفع عليه، وهذا معجون في الطين ولا لوم على ذلك؛ إنما اللوم أن يعمل بمقتضاه من قول أو فعل، فلذا حدث الحسن البصري قائلاً: ليس من ولد آدم أحد إلا وقد خلق معه الحسد فمن لم يجاوز ذلك بقول ولا بفعل لم يتبعه شئ. ولذا قيل: العزلة عن الخلق سبب طيب العيش، ولا بد من المخالطة بمقدار، فدار العدو واستمله، فربما كادك فأهلكك، وأحسن إلى من أساء إليك واستعن على أمورك بالكتمان، ولتكن الناس عندك معارف، فأما أصدقاء فلا، لأن أعز الأشياء وجود صديق، لأن الصديق ينبغي أن يكون في مرتبة مماثل؛ فإن صادقته عامياً لم تنتفع به لسوء أخلاقه وقلة علمه وأدبه، وإن صادقت مماثلاً أو مقارباً حسدك. وإذا كان بكل يقظة تلمحت من أفعاله وأقواله ما يدل على حسدك {ولتعرفنهم في لحن القول}، وإذا أردت تأكيد ذلك فضع عليه من يضعك عنده، فلا يخرج إليه بما في قلبه. فإذا أردت العيش فأبعد عن الحسود، لأنه يرى نعمتك فربما أصابها بالعين، فإن اضطررت إلى مخالطته فلا تفش إليه سرك، ولاتشاروه، ولا يغرك تملقه لك، ولا ما يظهره من الدين والتعبد، فإن الحسد يغلب الدين، وقد عرفت أن قابيل أخرجه الحسد إلى القتل، وأن أخوة يوسف باعوه بثمن بخس، وكان أبو عامر الراهب من المتعبدين العقلاء وعبد الله بن أبي من الرؤساء أخرجهما حسد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النفاق وترك الصواب، ولا ينبغي أن تطلب لحاسدك عقوبة أكثر مما هو فيه { قل موتوا بغيظكم } فإنه في أمر عظيم متصل لا يرضيه إلا زوال نعمتك وكلما امتدت امتد عذابه فلا عيش له، وما طاب عيش أهل الجنة إلا حين نزع الحسد والغل في صدورهم، ولولا أن نزع لتحاسدوا وتنغص عيشهم { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين } وصدق الأول حين قال : إلا إن عين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساويا وقال الثاني : حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه *** فالقوم أعداء له وخصوم وقال الآخر : نظروا بعين عداوة لو أنها *** عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا والله من وراء القصد.

بواسطة :
 0  0  10.4K