نحن سبب إنتشار كورونا!!
د. منصور الطبيقي
فليعذرني مسؤولوا الصحة إن كان هذا المقال قاسيا بعض الشيء, ففيه نقد للذات وتشريح لإسباب إنتشار فيروس كورونا من شخص يعمل في هذا القطاع سنوات عديدة ويعرف بواطن الأمور, وحتى لا أتهم أنني أبوح بسر خطير من أسرار العمل فالمعلومات التي أقولها الآن يعرفها كثيرمن الممارسين الصحيين وهي ليست خافية عن الإعلام الحديث وعن العقل والمنطق والفطرةالسليمة.
عندم...ا يصرح مسؤول المختبرات في صحة جدة "ويتراجع بعد ذلك سريعا" أن العالم المصري الذي أكتشف كورونا هو السبب في إنتشاره بسبب عدم إتباعه القواعد السليمة في عزل الفيروس وذلك في بيئة مخبرية غير ملائمة, فذلك طامة كبرى, هذا المسؤول الحاذق نسي أو تناسى أن أول حالة ظهرت عالميا لإنفلونزا ميرس كورونا كانت في الأردن في شهر إبريل عام 2012 إي قبل ظهوره في السعودية!!, وكان أول إنتشار له في مستشفى الزرقاء وكان أغلب من أصيب به من فريق العناية المركزة, لذلك صار صار سهلا يسيرا لدى البعض إلصاق التهم بمن حاولوا مساعدتنا في فك طلاسم هذا الفيروس الخطير, وتأنيبه وإنهاء عقده وإستبعاده, فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان!
وزارة الصحة تعرف منذ أكثر من عام أن هذا الفيروس ينتقل من شخص إلى شخص آخر حسب دراسة قامت بها مع نخبة من الباحثين العالمين ونشرت في مجلة نيوإنجلاند المرموقة في 2013 (قبل عام تقريبا) وكان من ضمن الفريق البحثي والذين نشرت أسمائهم في الدراسة وكيل الوزارة للطب الوقائي ومدير إدارة الأمراض المعدية ومعالي وزير الصحة شخصيا وشاب ذكي حاصل على الدكتوراه من بريطانيا في تخصص الفيروسات ورئيس قسم الفيروسات في المختبر الإقليمي بجدة سابقا د.حاتم قاضي, والأخير بالمناسبة إستقال من الوزارة (وحتى لم يتقاعد) بعد أن تعرض إلى ضغوطات شديدة (وتنغيص) من صحة جدة.
المهم, أن هذه الدراسة وجدت أنه من 1 إبريل 2013 الى 23 مايو 2013 تم توثيق إصابة 23 حالة بإنفلونزا كورونا, و حتى 12 يونيو 2013 (65%) من المرضى كانوا قد توفوا (15 مريض), 21 من 23 من الحالات كانوا تلقوا العدوى من أشخاص مصابين بالمرض في عيادات الغسيل الكلوي وفي غرف العناية المركزة, وفي العيادات الداخلية في ثلاثة مستشفيات.
أنا أتسآل ويحق لي, لماذا لم تبلغ نتائج هذه الدراسة المهمة للعاملين الصحيين على الآقل ويوضح لهم أن هناك خطورة مرتفعة من إنتقال العدوى لهذا المرض بين الممارسين بنسبة 90% تقريبا, بدلا من الإشارة إلى الجمال التي قد تكون الحاضن الأول للفيروس وسبب إنتقال العدوى الأولية ولكن مالبث أن تحور الفيروس ليصبح إنتقاله بين البشرممكنا!!
هل إتخذنا أي إجراءات إضافية للتعامل طبيا بكفاءة مع الحالات المرضية المصابة بالمرض, ونحن سمعنا كما سمع غيرنا قبل عامين إعتماد الوزارة مشكورة تنفيذ 120 غرفة عزل سالب في مستشفيات وزارة الصحة بجدة على أن تنفذ خلال عام واحد, هل تعرفون أن الشركة المنفذة متعثرة ولم ينفذ من هذه الغرف المهمة بعد إنتهاء العقد بعام إلا الثلث (40 غرفة فقط)!!
هل تعرفون السبب الحقيقي لتفشي المرض الخطير في مستشفى الملك فهد بجدة, وهو أن هناك حالة مشتبه به بميرس كورونا ظلت في غرفة الطوارئ لمدة يومين, ومع الإزدحام الشديد, وعدم معرفة بقية الطاقم بخطورة الحالة, وإنشغال غرفة العزل, وتساهل البعض الآخر في عدم إتباع ضوابط مكافحة العدوى, وزاد الطين بله عدم إتخاذ قرار سريع ومناسب بتحويل هذه الحالة لإحدى المستشفيات العامة أو الخاصة حتى حدثت هذه الكارثة!!
هل لو تم تشغيل مستشفى شرق وشمال جدة المتعثرين منذ سنوات (ومع إعتراضي على موقع مستشفى شمال جدة البعيد عن الكثافة السكانية الكبرى في وسط المدينة) كان خفف من الضغط الرهيب على مستشفى الملك فهد الذي يخدم مئات الآلآف من المواطنين, وخفف أيضا من آثار هذه الفاجعة!
لماذا نقوم فقط بردات فعال آنية وسريعة لمثل هذه الأمراض الخطيرة ونبدأ بإرسال رسالات توعية متأخرة في الإعلام ووسائل الإتصال, وهناك قصور واضح في التخطيط العملي المنظم والممنهج للوقاية والحد من هذاالفيروس, مع علمنا المسبق (كما ذكرت) بطرق إنتقاله وخطورته!
وفي الختام, كلنا كناالسبب في إنتشار المرض, وأولنا وزارة الصحة بإخفاء معلومات هامة عن إنتقال هذا الفيروس, وكثير من الممارسين الصحيين بالتساهل وعدم إتباع الإجرات الصحيحة لمكافحة العدوى, وليس هذا الوقت المناسب لتبادل الإتهامات والتراشق بالكلام, ولكنه وقت الأفعال وهو ما يقوم به أخوة وأخوات يعملون بصمت في الصف الأمامي من الطاقم التمريضي والطبي بقلوبهم الطاهرة الرحيمة وعملهم الإنساني المهني الرائع والشريف, فلهم ولكل مخلص في الوطن كل تحية وتقدير وإكبار, اسأل الله العظيم بإسمائه وصفاته أن يرفع عنا هذا الوباء والبلاء إنه على كل شيء قدير.
