نحن والعولمة .... إلى أين ؟؟؟
العولمة لفظة* أصبح يطلقها الجميع ناشرًا عليها كل ما استجد في الواقع ووضع اللائمة عليها بدون أن يضبط أو يعي مامعناها ؟ وماواجبه تجاهها ؟ وكيف له أن يستفيد منه دون أن تخل به وبأسرته وبمجتمعه؟
فماهي العولمة ؟
مجمع اللغة العربية بالقاهرة قرر إجازة استعمال العولمة بمعنى جعل الشيء عالميا .
يرتكز مفهوم العولمة على التقدم الهائل في التكنولوجيا والمعلوماتية، بالإضافة *إلى الروابط المتزايدة على كافة الأصعدة على الساحة الدولية المعاصرة.
وعُرفت بأنها: -
"نظام عالمي جديد يقوم على العقل الإلكتروني، والثورة المعلوماتية القائمة على المعلومات والإبداع التقني غير المحدود، دون اعتبار للأنظمة والحضارات والثقافات والقيم، والحدود الجغرافية والسياسية القائمة في العالم"
ثقافة العولمة هذه التي تسللت إلينا لتغير كثير من مفاهيم حياتنا ، وهي في معانيها المتعددة ترمز إلى ظهور ونفاذ عالم اخترقنا حتى في خلواتنا فسلخنا من قيمنا وعاداتنا وموروثاتنا وهويتنا ، وأصبغ علينا نزعة الأنانية وطمس مناهجنا الأصيلة ، ودعائم وركائز ديننا، وساعد على انتشار مظاهر العنف والإباحية ، وأظهر اللغات الغربية كلغات رسمية *، ونشر قيم الاستهلاك الرأسمالي *فالعولمة عالم بدون دولة ولا أمة عالم المؤسسات والشبكات العالمية .
عالم سهل ويسر لنا الكثير في مناحي الحياة لكنه على الجانب الآخر كان سببًا في انهيارات أسرية عدة .
فهذا غزو داهم عقولٌ غير متفتحة استعذبت الاتكالية والاعتمادية وانتشت بالانفتاح وأشبعت رغباتها الضالة فأبعدت عن الإبداع والتجديد والتميز في الفكر والعلم والإنتاج ، أشاعت الانفلات ، وزرعت روح الصراع بين المرأة والرجل ، واختلفت الرؤى والمفاهيم بينهما فما تراه الفتاة يختلف عما يراه الشاب وما اختلاف الرؤى بينهما إلا حصاد تبعية ثقافية ضعيفة وقلة حصانة دينية ، وزعزعة ثوابت وقيم وأخلاق أصيلة .
وإن كنّا نحذر الفتيات من مغبة هذا الانفتاح حفاظًا على عفتها وحيائها .
قال تعالى (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) سورة النور
وقد ثبَتَ في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((الإيمان بضعٌ وستون شُعْبة، والحياء شُعْبة من الإيمان)).
فإننا نحذر أيضًا الشباب حفاظًا على أنفسهم وأسرهم من أن يكونوا لقمة سائغة لأفكار وافدة ، أو علاقات آثمة فما هذه العلاقات المحرمة أو الأفكار الشاذة إلا حبائل من الشيطان وغزو مبطن لثني الشباب عماد الأمة ومركز قوتها عن تحقيق ذواتهم والانسلاخ في ذوات أخرى فالقيم الدينية المضطربة ، والحصانة الثقافية المهزوزة ، والثوابت الضعيفة جميعها مؤشرات لأشخاص للأسف نقولها بكل أسى غير جديرين وغير مؤهلين بتحمل مسئولية أسرة والنهوض بها فمن لم ينهض بنفسه أنى له أن ينهض بأسرته ومجتمعه؟!
وفي العقود الأخيرة من القرن العشرين كشف الغرب عن مشروع خطير يستهدف مجتمعاتنا مستهدفًا نواتها الأساسية " الأسرة " صانعة الأجيال ، ومستهدفًا مكوناتها من نساء وشباب وأطفال ، ويتمثل في في العزم على هيمنة مفاهيم الثقافة الغربية فكرًا وسلوكًا ونمط حياة ، أي عولمتها .
عبر استراتيجية جمعت بين وسائل الغزو الفكري والثقافي والسلوكي خاصة التطور التقاني في وسائل الاتصال ( الفضائيات والإنترنت ووسائل الاتصالات الحديثة من سناب وانستجرام وتويتر و...غيرها التي بدأت تبث أفكارها الإباحية والمادية البحتة وكأنها تصور الحياة *عالم بلا ضوابط ولا منهجية عالم من الهمجية والإباحية والمادية بدعوى التحضر والمدنية تمامًا كما خطط له وأراد أعداء الملة والدين والحاقدين .
فإذا كانت هذه الاستراتيجية التي يخطط لها أعداء الإسلام فلا نستبعد بعد اليوم أو نستنكر مايحدث وماقد سيحدث ؟
ولكننا أمام هذه الأمواج العاتية و الرياح العاصفة و الغزو المستهدف أرى أنه من الواجب علينا أن نقف وقفة رجل واحد أمام هذا موضحين عبر كل وسيلة متاحة لنا أننا شعب له دينه وضوابطه ومنهجيته لانعارض الحضارة والتقدم بل نأخذ ماينفعنا ونترك مايخالف ديننا وضوابطنا وقيمنا ومجتمعنا .
*واجبنا التربوي أمام انفسنا وأمام أولادنا* ومجتمعاتنا عظيم .
قال تعالى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) َبلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) سورة الصافات
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))
[أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر]
*لا لهيمنة فكر غربي وافد *يفرض هيمنته وسلطته علينا فنحن من قاد العالم ومن له الولاية والتمكين من قبل ومن بعد ، ولن يتحقق لنا ذلك** إلا إذا طبقنا ما أمرنا الله به وامتثلنا به .
قال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) سورة النور
لاتتركوا العولمة تعبث برياحها الهوجاء في حياتكم فتديرها كيفما شاءت أو تدمرها إذا رغبت .
تحصنوا بدينكم وأخلاقكم وثوابتكم وإرثكم الأصيل.
وجدوا واجتهدوا لتحصلوا على أقصى المراتب في العلم والتقنية والاختراعات لتنهض بكم الأمة الإسلامية ، وكونوا فطنين لمّا جد واستحدث خذوا منه الفائدة واتركوا عنه الغثاء وتذكروا دومًا وأبدًا قوله تعالى (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (120) سورة البقرة
واتعظوا بمن سبقكم واستمعوا لقول نبيهم ونبيكم . قال تعالى (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)
قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) سورة الأعراف
نفعنا الله وإياكم بالقرآن الكريم وجعله لنا قائدا ودليل وصلى الله على الهادي البشير عليه أفضل الصلاة والتسليم. واستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين.
* دكتوراه في علم دراسات الأسرة *