وزارة «كل شيء على ما يرام»!
* فراس عالم :
حالة الهلع والشائعات التي اجتاحت مدينة جدة خلال الأسابيع الماضية مثال جديد على فشل السياسة الإعلامية التي تنتهجها وزارة الصحة في التعامل مع الجمهور، القليل جداً من المعلومات والإصرار الغريب على النفي حتى تتكاثر الضغوط لتعود وتتفاعل بعد أن يكون الناس قد كونوا رأيهم الخاص وفقدوا الثقة في المعلومة التي تقدم مهما كانت دقيقة أو صحيحة. الجديد في الأمر هذه المرة أن حالة التعالي تلك امتدت لتطاول أبناء الوزارة أنفسهم، وسياسة التعتيم وكل شيء على ما يرام تم فرضها بإصرار غريب على جنود المعركة ذاتهم الذين يفترض أن يكونوا أكثر الناس دراية بما يجري من حولهم. تعرض الممرض بندر الكثيري رحمة الله لعدوى مرضية بفيروس كورونا في ذات المستشفى التي يعمل بها، لم يتم الإعلان عن تشخيص حالته لمدة خمسة أيام ظل فيها خارج أقسام العزل وبرفقة أحد أقاربه، وفي كل يوم تتدهور حالته ويصر أقاربه على معرفة نتائج التحاليل ويتم إخبارهم بأن النتائج لم ترجع بعد من المختبر الإقليمي للوزارة. وعندما تعترف الوزارة بإصابته بالفيروس يتم الإشارة إليه في بياناتها كحالة مصابة فقط وليس كأحد أبناء الوزارة. في ذات الوقت يتم إيقاف العمليات في مستشفى الملك فهد، ثم إغلاق الطوارئ وتتداول الأخبار عن وفيات وإصابات، والعاملون في المستشفى هم آخر من يعلم بما يجري حولهم، وعندما يوجهون أسئلتهم للإدارة لا يجدون سوى النفي والتطمينات الباردة! ينتقل بندر إلى رحمة الله، يكفن ويدفن وسط تجاهل غريب من الوزارة، ووسط حالة الصدمة والحزن الكبير التي أصابت زملاءه وكل العاملين في القطاع الصحي كان وزير الصحة هو الغائب الأكبر عن الحدث، فلم يصدر بياناً للتعزية، ولم يحضر مراسم العزاء ولم يرسل أحد وكلاء الوزارة للنيابة عنه رغم أن الفقيد يعتبر أحد جنوده الذين سقطوا في معركة الوباء الذي لفت أنظار العالم لكنه مع الأسف لم يلفت نظر مسؤولي الوزارة بالشكل الكافي ليتعاطفوا (إنسانياً) مع الضحايا. جانب التوفيق معالي الوزير عندما صمم على الالتزام بجدول عملياته وبقي في الرياض، ليجري عمليه الفصل التي كان يمكن أن تؤجل لأيام، وجانبه التوفيق كذلك عندما ظهر في وسائل الإعلام وهو (يحتفل) بنجاح العملية ويقطع كعكة النجاح العملاقة المزينة بصورته ودماء بندر لم تجف بعد ودون حتى أن يشير في ذلك الظهور الاحتفالي بمجرد إشارة بالتعزية لبندر. بغض النظر عن صحة التدابير التي اتخذتها الوزارة تجاه المرض أو خطئها، وبغض النظر عن نجاحها في السيطرة عليه أو فشلها. فإن المؤكد لدى عامة الناس أنها فشلت في التواصل معهم واحتواء مخاوفهم، وأن فجوة ثقة عملاقة آخذة في الاتساع بين المسؤولين في الوزارة من جهة وكافة أطياف الشعب من جهة أخرى. فجوة يقول لسان حال أحد أطرافها أنا لا أبالي بك مهما صرخت ويرد الآخر وأنا لا أصدقك مهما أقسمت لي أن كل شيء على ما يرام!
*كاتب وطبيب أسنان و أطمح أن أكون جيداً في كليهما
صحيفة الشرق .