أنا أعتذر
لقد أخطأت في حقك ، أنا آسف ، أنا أعتذر ، عفواًلم أقصد ، عبارات تدل على الإعتذار عند حدوث لبس ما كسوء فهم أو إساءة تصرف من شخص لآخر دون قصد .
فالإعتذار فعل نبيل وكريم يعطي الأمل بتجديد العلاقة وتعزيزها هو إلتزام لأنه يحثنا على العمل على تحسين العلاقة وعلى تطوير ذاتنا، و الإعتذار فن له قواعده ومهارة إجتماعية نستطيع أن نتعلمها ، وهو ليس مجرد لطافة بل هو أسلوب تصرف راقي.
يأتي الاعتذار بعد الإعتراف بالخطأ ، وهذا السلوك لايصدر إلا من الأقوياء الذين يمتلكون شجاعة الرجوع إلى الحق والاعتراف به، وينبغي أن يتم الاعتذار من دون تعالٍ أو تلاعب بالكلمات وتحريف للمعاني كما يفعل البعض، فالاعتذار اعتراف واضح بالخطأ، ودليل على قوة الشخصية التي تقدر أن الوقوع فيه لا يعني أن الشخص سيئ أو أنه فاشل بل هو إفصاح عن سوء الاختيار أو إخفاق في اختيار التصرف أو القول السليم . والإعتذار يكسب المعتذر احترام الآخرين، ويشجعهم على التسامح والعفو معه، ومن لم يقابل الاعتذار بتسامح وعفو فهو خارج عن إطار الأخلاق الإسلامية التي تلزم المسلم بالعفو والتسامح والرحمة في التعامل مع المخطئ المعترف بخطئه. إن الإنسان السوي هو الذي يقبل أعذار الآخرين ويتعامل معهم بتسامح ويتسلح بخلق العفو عند المقدرة، وقبول اعتذار المعتذر ليس قبولاً بالأمر الواقع أو ابتلاع الإهانة، بل هو سلوك المتسامحين المنصفين الذين يعرفون قيمة الصفح والتسامح. أما الذين يرفضون الاعتذار ولا يقبلون أعذار الآخرين ولا يقدرون الظروف الصعبة التي دفعتهم إلى التجاوز والإساءة فهم أصحاب نفوس ضعيفة ينقصهم الوعي بأخلاق الإسلام السمحة ، وهؤلاء للأسف غالبا ما يكونون سبباً مباشراً في تضخم المشكلات الصغيرة، وتكبير التجاوزات البسيطة بحيث تتحول إلى أزمات ومشكلات كبرى تترك أثراً سيئاً على المجتمع أمنياً واقتصادياً، فقد نشبت معارك ضارية بين أسر وعائلات بسبب سلوك طفل أو شاب لم يقبل المتجاوز في حقهم اعتذار ذويه، وما أبشع التجاوزات التي قد تحصل من البعض فتهدد أمن وسلامة المجتمع بسبب رفض الاعتذار والإصرار على الانتقام تحت شعار الكرامة والهيبة، مع أن الصلف لا علاقة له بالكرامة من قريب أو بعيد. وبالتالي فإن القدرة على الاعتذار وقبول العذر هي أحد الفنون البشرية يتمتع بها من لديهم تلك المقدرة والتي تتطلب علماً وثقافة وأدباً وفكراً سديداً، وهى قيمة عالية من قيم الإنسان الراقى المثقف، فالاعتذار هو انتصار على النفس الأمارة بالسوء والتى تأمر صاحبها بالتعالى وعدم الاعتراف بالخطأ، وهو انهزام أمام شهوات الدنيا وبريقها الأخاذ ، و ارتفاع إلى مرتبة التواضع التى تجعل من الصغير كبيراً ومن المجهول معلوماً، ويصبح الاعتذار فناً حقيقياً عندما يأتى من قوى لضعيف، ومن غنى لفقير، ومن رئيس لمرؤوس، فاعتذار القوى للضعيف يصنع من ضعفه قوة، ومن فقره غنى، ومن إحساسه بالنقص إحساساً بالكمال، فتطيّب النفوس وتزول الضغائن ، وتصفو الحياة ونعيش بود وتسامح ، فلنحي ثقافة الإعتذار والعفو عند المقدرة ولنتعلمها ونعلمها لأبنائنا ، اليوم أنا أعتذر منك وأنت تعفو عني وغداً قد يكون العكس ، فأفعل ماتريد أن يُفعل بك ، أنا وأنت نستطيع .