العتاب طريقنا إلى المحبة
العتاب كلمة تحمل في معانيها أشياء جميلة تنحدر هذه الكلمة من بين شفاهنا بكل يسر وسهولة ، فما أروع هذه الكلمة التي تجعلنا نعيش في حال يملؤه الحب والأمل والإخلاص والتفاني من أجل خدمة الآخرين .
نتساءل لماذا تصنع بنا هذه الكلمة كل ذلك ، ونجد الإجابة الشافية أنها رديفة لكلمة الحب بل هي أصل الحب ، فلولا العتاب لما كان الحب ، فالله عز وجل يستخدم هذه الكلمة مع أحب الخلق إليه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، لم يستخدمها مع المشركين والصلاة ، ولا مع غيرهم إنما استخدمها مع الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم حينما انصرف عن عبده المؤمن عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه عندما*كان هذا الصحابي يريد المزيد من الجلوس مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليستقي منه تعاليم الدين الحنيف ولكن الرسول الذي حمل هم هذه الرسالة العظيمة انصرف عنه إلى سادة قريش ليكسب في صف الإسلام أحد هؤلاء الذين يمثلون الرأي والمشورة في قومهم في ذلك الزمن وليكون نصراً بعد الله لهذا الدين ولكن الله عز وجل الذي يعلم كل شيء ومصير الرسالة ينزل عتاباً في سورة تسمى سورة عبس لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم في انصرافه عن عبده المؤمن ، قال تعالى " عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى"
وقد كان يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما يرى عبد الله بن أم مكتوم هذا الذي عاتبني فيه ربي .
إذن العتاب هو البلسم الشافي لكل الجروح التي تصدر من المتحابين كيف لا يكون ذلك والمثل العامي الدارج يقول " العتاب صابون الأحباب" إذن العتاب كلمة مغروسة في الوجدان تنبثق من حنيا القلب لترسم صورة جميلة لمعاني الحب السامية ولا يمكن استخدام هذه الكلمة إلا لمن تحبه حباً صادقاً صافياً من كل شيء يشوبه وهذا رسول الهدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخدم العتاب إلا مع أحب الناس مع الحب ابن الحب أسامة بن زيد حينما عاتبه في طلب الشفاعة من المرأة المخزومية التي سرقت .
وحينما عاتبه في قتل ذلك الرجل الذي نطق الشهادة في المعركة ، وقال له المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم "هلا شققت عن صدره".
العتاب أيها الأحباب طريقنا إلى صفاء القلوب هذا أحد الشعراء في العصر الحديث وهو صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله الفيصل يقول في إحدى قصائده مخاطباً حبيبه:
فراعني عتابها وهيا التي عرفت
.....................أني عن السجع والتغريد لم أنم
هذا هو العتاب الذي نستخدمه مع من نحب فالزوج يستخدمه مع الزوجة والزوجة مع الزوج والمعلم مع أحب تلاميذه إليه في تقصيره في حل الواجبات لأنه تعود منه الجد والاجتهاد ، إذاً العتاب الطريق إلى كسب المحبة والعتاب يحفظ المودة ويزيد في الحب والتقدير ، كما قال الشاعر ابن الرومي:
فإن كنتم لا تحفظـون مودتي
....................ذماماً فكونوا لا عليها ولا لها
قفوا وقفة المعذور عني المعزل
....................وخلوا لبــالي للعدى ولبالها
إن الشاعر في هذه الأبيات يخاطب الذين لا يعرفون معنى العتاب فيقول لهم إذا لم تستطيعوا حفظ محبتي عندكم فكونوا لا عليها ولا لها أي ابتعدوا عني ابتعاداً يجعلكم لا تعتبون عليه مرة أخرى ، لذا نرى تأثير العتاب في الشاعر ماذا صنع به ، إنه ديوان العرب منذ الجاهلية وحتى يومنا هذا لا يخلو من ذكر العتاب بين الأحبة فما أجمل أن نتحدث عن العتاب لأنه طريقنا إلى المحبة والصفاء .
فأهلاً بالعتاب من الأحباب وإلى الأحباب.