زمن النقر بالإصبع
كثير من أبناء هذا الجيل لم يعد يهمه من تلك الدنيا الشاسعة سوى ( النقر بأصابعه ) على الأجهزة التقنية الحديثة ، يصور ، ويعلق بما يحلو له على الأحداث الجارية ، ويقوم بعملية النسخ واللصق والإرسال ..
طبعاً لم يقتصر هذا ( النقر ) على شريحة الشباب فقط ، بل شمل جميع شرائح المجتمع دون استثناء ..
فقد بتنا نرى الحريق يداهم منزل جارنا ، ونشاهد معظم المتواجدين في المكان وقد أمسك كلاً منهم بجواله ، يصور الحدث لرفعه على ( اليوتيوب ) . وآخر يصور للنشر عبر ( الوات ساب ) دون تدخل لعملية الإنقاذ ، ويسري ذلك على الحوادث المرورية ، ومآسي السيول وغيرها من الحوادث ، الى جانب مانراه ونسمع عنه من اعتداءات في الأماكن العامة والشوارع دون تدخل من المارة وكأن الموقف لايعنيهم . الكل منهمكاً في ( النقر ) ..
لست متشائماً ولا أحب التشائم ، ولكن أشعر بحزن ( يعصرني ) على ما آلت إليه مشاعر وأحاسيس ونظرة البعض لما يحدث ، والذي يختلف تماماً على ما كان عليه آبائنا وأجدادنا في الزمن الجميل ، الذي أصبحنا نسميه ( زمن الطيبين ) فقد كانوا يتفقدون بعضهم البعض ، إذا غاب القريب أو الجار ذهبوا لمنزله يتفقدون أهل بيته ، يسألونهم ويقضون حوائجهم إن كان في سفر ، حتى يعود . وعندما يسمع بمرض أو وفاة أو أي حادث من حوادث الزمان ، يجتمعون ويمضون دونما تفكير ، للوقوف معه في حزنه ، تماماً كما يشاركون في فرحه ..
لديهم شعور وإحساس بالمسؤلية ، امتثالاً لقول المصطفى صل الله عليه وسلم : حيث قال : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) .
لا أعلم كيف وصلنا ؟ إلى أين نسير ؟ وماذا يخبي لنا القدر ؟
فما يحدث اليوم من كثرة ( النقر بالإصبع ) يحتم علينا مراجعة أنفسنا ، وإعادة حساباتنا تجاه تعاملنا مع هذه التقنية الحديثة ، والتي أعتقد أنها هي السبب الرئيس لما أصبحنا نشعر به من افتقاد الإحساس والشعور بالآخرين . ختاماً :
أدعو الله ألا نكون فعلاً في آخر الزمان ، وحتى لا نكون من أشرار الناس . والسبب النقر بالإصبع .