من المسئول عن مياهنا الجوفية؟
د . محمد الغامدي:
سؤال يداعب أحاسيسي المنتفخة الأوداج من كثرة المعاناة. أعيشها منذ ثلاثة عقود بسبب اهمال مياهنا الجوفية. لا تخضع لحماية أية جهة رسمية. لا أحد يتحدث عن المياه الجوفية. كل نشاطات الجهات المسئولة تتحدث عن مياه التحلية فقط. وأيضا كل الندوات والمؤتمرات والاجتماعات والاهتمام. كنت أعتقد أنها تتبع وزارة الزراعة والمياه سابقا. ثم اعتقدت انها تتبع وزارة المياه لاحقا. أخيرا اكتشفت انها لا تتبع حتى الوزارة الجديدة وزارة الكهرباء والماء. المياه الجوفية مغيبة. هل تتعرض لمؤامرة استنزاف؟**
مياه ثمينة تحت الأرض، يتم استنزافها بشكل جائر. في اليوم العالمي للمياه (22 مارس) أرحب بهؤلاء الذين يقفون في شموخ وكبرياء على الطرق بآليات حفر الآبار. في الدمام وقفوا على طريق المقبرة لتذكيرنا بالموت. ينتظرون زبائنهم الذين يتمنون مشاهدة المياه الجوفية مباشرة وبالعين المجردة قبل الموت. يستخرجونها دون حسيب أو رقيب أو ناصح أو جهة تقول لهم لا.
*
* هل هناك نكتة اسمها وزارة المياه؟ تناطح نفسها. تناقض ذاتها. تسعى لتسخير مياه البحار لإروائنا. جعلت التحلية الخيار الاستراتيجي. يجب حمايته والتوسع فيه. لا مانع أن يكلفها المتر المكعب الواحد (15) ريالا، بينما المياه الجوفية تذهب هدرا بدون قيمة. أكثر من (7) تريليونات ريال ثمن المياه الجوفية التي تم استنزافها خلال الثلاثة العقود الماضية. رقم خيالي لا يعني شيئا عند العرب، بفعل مد طوفان تناقض الأهداف وتعارض المصالح.*
تناقض لا يخل بتوازن العقول وحدها، لكن يخل بمنظومة الفهم والإدراك. يهز عرش التساؤلات. يزلزل أرض النظرة إلى المستقبل. نعم المياه الجوفية ليس لها راعٍ أو حامٍ. في اليوم العالمي للمياه، أشير إلى دور وزارة الزراعة في استنزاف المياه الجوفية. ثلاثة محاصيل تستهلك (72%) من المياه الجوفية. ما يعادل (400) مليار متر مكعب خلال الثلاثة العقود الماضية. زيادة الاستنزاف تتفاقم سنويا. سيصل الاستنزاف خلال السنوات القادمة إلى (25) مليار متر مكعب سنويا. ورغم الشعارات المرفوعة عن ترشيد استخدام المياه، إلا أننا لا نعرف عن أي مياه يتحدثون؟!*
وصلت لقناعة أن الجميع لا يعي أهمية المياه الجوفية، لا يهمهم أمرها، أصبحت الجهات المسئولة عنها مثل الشعراء، وصفهم الخالق سبحانه وتعالى بوصف يمكن الرجوع اليه في القرآن الكريم. يتحدثون ليلا ونهارا. هل يفعلون ما يقولون؟! شعارهم (قل ولا تفعل). شعار الجهات المسئولة عن المياه الجوفية حتى في اليوم العالمي للمياه. بعد كل هذه السنين استطيع تأكيد هذا وأكثر.
مرحلة اليأس لم تصل إلى الجميع. شامخون يقولون المياه الجوفية مهمة، ينفذون ما يقولون. من هؤلاء جامعة الدمام ممثلة في كلية الهندسة التي احتفلت باليوم العالمي للمياه من خلال قسم الهندسة البيئية. سلام تعظيم لهذه الكلية ولمسئوليها. تلقيت دعوة قبل الموعد بثلاثة شهور. في هذا مؤشرات مهمة. دعوة من سعادة عميد الكلية الدكتور عبدالرحمن حريري. تجاهلت الموضوع بداية معتقدا أن هناك خطأ. أخيرا تلقيت دعوة للحديث في اليوم العالمي للمياه. كرر سعادته الدعوة. تابع وعقب. كنتيجة، أدركت أن هناك من يهتم وأيضا يوظف الاهتمام إلى عمل وانجاز.
أخذ التواصل مجراه إلى أن أصبح عنوان المحاضرة (المياه الجوفية: المشاكل والحلول). من زيادة الحرص وتأكيد المشاركة، أرسل رسالة قبل اللقاء، بيوم واحد، يطلب مني الحضور قبل الثامنة صباحا حتى يتسنى لي الوصول مبكرا، لتلافي زحمة الطريق إلى جامعة الدمام. أدركت في تلك اللحظة معنى الاهتمام بالأشياء الصغيرة، وأهمية دورها في نجاح أي مهمة. الكبيرة تفرض نفسها على الدوام. حضرت وقابلت سعادته ثم ذهبنا إلى القاعة رقم 11. عرفتها، سلمت عليها. كانت لي معها صولات وجولات قبل أن تنفصل جامعة الدمام عن جامعة الملك فيصل.*
في نشاط كلية الهندسة الذي حركه اليوم العالمي للمياه لاحظت الاهتمام، التنظيم الدقيق، العناية الفائقة بأدق الأشياء. لا غرابة فوجودي في كلية الهندسة يعني الدقة في سير نجاح المهام. قبل أن تبدأ المحاضرة في الساعة التاسعة والنصف، وجدت معالي مدير الجامعة (الدكتور عبدالله الربيش) في الصالة مرحبا ومشجعا. حضوره تكريم لعميد وإدارة الكلية. تكريم لكل العاملين الذين أشرفوا على نشاط الاحتفال بيوم المياه العالمي. تكريم لأساتذة الكلية. تكريم وتشجيع وتحفيز لطلاب الكلية، خاصة طلاب قسم الهندسة البيئية المعنيين بهذا الاحتفال.
تشرفت بالسلام على معاليه، وجدته في صحة جيدة، وبريق نجاح مُلفت. في نشوة وفخر بكل من حوله أهديته نسخة من كتابي (الماء يبحث عن إدارة)، قدم اعتذارا رقيقا لعميد الكلية ولي شخصيا ثم غادر. حضوره زاد من مساحة إعجابي بهذا المسئول ونشاطه. حضر اللقاء سعادة وكلاء الجامعة: الدكتور باسل الشيخ، الدكتور عبدالله القاضي. الدكتور فهد المهنا. حضورهم تكريم للطلاب وللكلية ولعميدها وللمشاركين جميعا. علق الدكتور القاضي وسأل سؤالا ذكيا ذا شجون. تهربت من التركيز على الإجابة. أشكرهم على كرم كلماتهم المحفزة.
هذا هو اليوم العالمي للمياه في جامعة الدمام. بقية الجهات الأخرى لم تسمع باليوم العالمي للمياه، حتى بمراكزهم المائية التي يتشدقون، حتى وزارة المياه شغلت نفسها كالعادة بمياه التحلية، غيبت المياه الجوفية كعادتها أيضا. غاب نشاط الجميع. المياه الجوفية عندهم ليست بذي شأن أو أولوية.*
بعد المحاضرة تسلمت درعا زجاجية على شكل قطرة ماء. الكلمات كانت عليه باللون الأزرق، أدركت أن غرس أهمية المياه الجوفية في نفوس الطلاب يزيد من مساحة النجاح وقيمة المستقبل. خرجت من القاعة بعد توديع الجميع وقد غمروني بكرمهم مديحا وثناء. منذ ثلاثة عقود وحتى اليوم و(أنا) أتساءل: من المسئول عن المياه الجوفية؟!. حتى الآن لم أجد الجواب، ولن أجده. أقولها بكل حزن: مياهنا الجوفية (ناضبة) مع وزارات تتجاهلها بشكل فاضح. هل هي المؤامرة؟!
twitter@DrAlghamdiMH