عذراً "حلب" الرجاء عدم الإزعاج
*"حلب" أنت لست أول عار للمسلمين أو العرب بل وفضيحة للإنسانية كافة، ولست الأخيرة كما أتوقع أو فيما اعلم، فنحن أمة ذات أمجاد لا تنسى الحديث عن قديم أمجادها والتباهي بماضي أسلافها، فعندما يتأخر القوي عن نصرة الضعيف باحثاً عن مبرر لوقوفه في وجه الظالم المعتدي فهنا يتجلى الجبن في كلمات الشجب والاستنكار، وعندما يتجرأ العدو المتغطرس على اغتصاب إنسانية شعب اعزل بكامله فأول ما يقوم به المقتدرون والقادرون من هذا الشعب هو الفرار وتأمين أموالهم ومصالحهم ليتفرغوا بعد ذلك للمراقبة وانتهاز الفرصة للنعي والبكاء والاستجداء جمعاً للتبرعات والمساعدات نعم فمصائب قوم عند قوم فوائد، فأينما يكون الدمار والفساد هناك منتهز للفرصة طفيلي يتغذى على ألآم الضعفاء ويتقوى ببؤسهم، لقد مرت منطقتنا إنسانيا بأحداث مشابهة فما حدث في صبرا وشاتيلا ما زلنا نتذكره حسب المناسبة طبعاً، وكذلك في البوسنة والهرسك الوجهة السياحية الواعدة، كما أن أرشيف المصائب والانتهاكات الصهيونية الإسرائيلية مليء ويزخر بالعديد من صور التعذيب وفنونه المتنوعة والتي تتناسب مع الذائقة السياسية الشاجبة والمستنكرة، ناهيك عن حقل التجارب للأسلحة والعتاد لأمريكا وحلفائها في العراق وما خلفه من دمار لهو شاهد على ما نتمتع به من محتوى يثري حلقات النقاش وبرامج الحوار بل وحتى خطب الجوامع.
كدت أنساك "حلب" نعم لقد أضعتك بين محتويات أرشيفي الكبير الممتلئ لذا الرجاء الموت بصمت وسوف نتذكرك لاحقاً كما تذكرنا غيرك، فدمشق الفتوحات وبغداد الحضارات ويمن العروبة وبلقان العزة وأفغانستان الكرامة وقدس الإسلام وصومال الماضي وسودان الإباء ومصر الصمود كلها تذكرناها لاحقاً أو نسينا بعضها، وربما نجد مناسبة أو موقف للحديث عن البعض منها.
لم تعد مؤثرة صور الأشلاء حتى لو كانت تعود لطفل أو رضيع فقد باتت مستهلكه ولعل أبرزها صورة القتل الوحشي لمحمد الدرة ووالده، وطفل الثلاث سنين الغريق على شواطئ اليونان وليعذرني التاريخ إن نسيت اسمه (آلان كردي).
العالم ينقسم في قضايا الإنسانية دائماً إلى قسمين "مع" أو "ضد" والأغلب دائماً هم "مع" لان مكوناته أكثر فمشارك بشكل مباشر ملطخاً يده بدماء الأبرياء أو غير مباشر ملطخاً فمه بالصمت عن دمائهم ومالئاً جيوبه وأرصدته بالأموال جراء صمته ولن أنسى الخونة من أبناء تلك الشعوب المقتولة، ينظر البعض للحروب والمآسي الإنسانية ويرى جرائم وكوارث فيما الآخر يرى فرصة اقتصادية ينمي بها أرصدته ويعزز منها إنتاجه، فالعالم المتقدم صناعياً اكتفى من قتل بعضه البعض فما حدث في حروبه الطاحنة الأولى والثانية من وحشيه وما خلفته من ألم وضعف في بناها التحتية والاجتماعية والاقتصادية كافي لعدم تكرارها ناهيك عن الباردة والأخرى التي تدار بالنيابة، وعلى ذلك لابد من التحول إلى انتصار لا خسارة فيه لكلا الطرفين المتقدمين وهي التي تكون على حساب وفي داخل الدول النامية تلك التي استهلكها استعمار الدول المتقدمة سابقاً حتى الثمالة، ليعود الاستعمار بصورة أخرى وبشكل أحدث فتوريطها في حروب ونزاعات أساسها الطائفية والمذهبية ليوقظ بها أحقاد تاريخيه من الماضي البعيد لتستعر نيرانها فتحرق الحضارة وتقتل الإنسان وتدمر الأرض وتهلك الزرع وتبيد كل شيء فقط لأنه ينتمي للآخر ومخالف لأمر لا يضر ولا ينفع، إن هذا الاستعمار يعد أفضل بكثير من سابقه التقليدي فهنا لا يستوجب حضور المستعمر بنفسه أو معداته فلا بناء لموانئ ولا استصلاح للطرق والأراضي ولا تأسيس لشركات ومصانع ولا تعليم أو تدريب ولا أعباء للرعاية الاجتماعية والصحية وهذا كله في سبيل الحصول على خيرات البلد وموارده الطبيعية وولاء شعبه، فالاستعمار الحديث يحصل مباشرة على أموال وخيرات البلد ويحقق النمو في إنتاجه العسكري والصناعي والزراعي جراء بيعه المباشر فالمتقاتلين مشغولين في إبادتهم لبعضهم، ناهيك عن الفائدة الاقتصادية الأكبر وهي التخلص من الترسانة الحربية القديمة والتي تشكل عبئ من ناحية تكاليف الصيانة والشحن والتخزين أو حتى تكاليف إتلافها والتخلص منها لذا فبيعها أفضل وذلك بخلق حروب جديدة في مناطق بعيدة لا تشكل خطر على العالم المتقدم.
عذراً "حلب" لقد نسيتك مجدداً فلا أملك لكي سوى الدعاء بأن ينصرك الله على أولائك المفسدين في الأرض ويفك أسرك ويحفظ أهلك وفي رجاء الاستجابة، وهذا ما أملكه ويملكه حكام وقادة الدول النامية المتناحرة وان اتفقت فهو مجرد كلام ولو صاحبه فعل فلن يتعدى إلغاء مظاهر الفرح الرسمية في شعوبها والدعاء الجماعي لنصرتك "حلب"، لذا الرجاء منك "حلب" أن توفري على نفسك العناء وتموتي بصمت، وربما نتذكرك لاحقاً.