التوازن و جوانب الحياة
البداية كانت في الربيع وفي إحدى المتنزهات.. كان يحظى باحتساء قهوته على إحدى الطاوﻻت التي تقع في المساحات الخاصة بها، يستمتع بقراءة كتاب لكاتبه المفضل وبينما كان كذلك شد انتباهه صوت طفل يصرخ من فرحة اقتنائه للآيس كريم ،كان هذا الطفل أحد الأبناء الذين يحيطون بوالدهم الذي يتوسطهم وكان عددهم ثمانية وما شده أكثر هو تعامل هذا الأب مع أبنائه . لاحظ بأنه يقبل ثلاثة*منهم دون البقية ويقتني اﻵيس كريم لهم ،بينما البقية ينظرون إليه بحسرة ،ثم عاد مجددا ليقبل الثلاثة*فقط ويسمعهم أجمل الكلمات بينما البقية ﻻ. وكأنه ﻻ يراهم أو ليسوا ضمن إدراكه ،فلا حديث يجمعه بهم وﻻ تلبية لطلباتهم. افتقدوا اﻹهتمام واﻹحتواء كثيرا ،غضبوا أشد الغضب جراء هذا التعامل الذي يمزقهم من الداخل، والغريب أنهم ﻻ يستطيعون الابتعاد عنه فهم يلازمونه*في كل لحظه،وهذا ما يرغمهم على مشاهدة كل أنواع الاهتمام الذي يمنحه للثلاثة*دونهم ،والذي بدوره ولد بداخلهم غضبا شديدا وألما جعلهم يطالبون بحقهم من الاهتمام بشكل مستمر وبطريقة تحدث ضجيجا للأب الملزم على البقاء بينهم . لأنه لم يلتفت إليهم ولم يضع الاهتمام بهم ضمن إدراكه لذلك لم يرهم ولكن مطالبتهم المستمرة بحقهم هو بحد ذاته ضجيج نفسي له دون معرفة مصدر هذا الضجيج ،واستمر معه هذا الصوت حتى بدأ يفقد توازنه وهذا الإختلال*في التوازن عكس عليه الكثير من الشعور السلبي وأوله عدم استشعاره السعادة بما يفعله تجاه أبنائه الثلاثة*، وعدم شعوره بالسعادة أفقده الصلة العاطفية بهم فأصبح مايقوم به تجاههم مجرد حركات روتينية تفتقر للكثير من الحيوية لدرجة أصبح مستعدا لتركهم في أية لحظة ،حتى أتى اليوم الذي اصطحب فيه الثلاثة*إلى إحدى الحدائق العامة ،ثم تركهم هناك وغادر إلى حيث ﻻ يعلم يبحث عن سعادته ..وهنا كانت النهاية
للصراعات النفسية التي تحدث بداخلنا وتفقدنا السعادة أسبابا عديدة ،ومن أهم تلك الأسباب عدم التوازن بين جوانب الحياة الثمانية والتي تسمى بعجلة الحياة فهي العجلة التي تسيِّر مركبة حياتنا ..
تلك الصورة المرسومة بالأعلى هي صورة ذهنية لجوانب الحياة والتي كنت فيها أنت الأب والأبناء هم الثمانية الجوانب التي تحيط بك وهي: الجانب الروحي والعلمي والشخصي والمهني والأسري والصحي والاجتماعي والمادي
طالما تهتم بجوانب دون أخرى و تحقق في بعضها أهدافا وتهمل البقية، ستبقى في صراع داخلي تجهل مصدره لأنها أيضا هي تطالب بحقها من الأهداف والظهور للعالم ومشاهدة تأثيرها عليك .
ولو تمعَّنا سويا في الجوانب سنستشعر مدى أهمية كلٍّ منها في حياتنا ،فلا يختلف اثنان على أهمية تفعيل الجانب الروحي في حياتنا، فعلاقتنا*مع الله هي الركيزة الأساسية في عمق كل نجاح وهي غذاء للروح، والروح المتعطشة دائما ماتكون في حال من الضجيج المستمر ،ثم ﻻ ننكر أهمية الجانب العلمي، فالدراسة الأكاديمية والشهادات وإلاختراعات والبحوث العلمية لها دور في الارتقاء بنا وإبراز دور العلم وتأثيره في حياتنا . والجانب الشخصي الذي يحتضن جميع هواياتنا واهتماماتنا وإجادتنا للغات مختلفة مهم جدا وﻻ يقل أهمية عن الجانب المهني، فﻻ أحد يحب أن يعيش حياته دون مهنة أو وظيفةٍ تعينه على متطلبات الحياة فضلا*عن كونها ترجمةٌ لما نجيد ومانحب أن نمارسه من أعمال. والجانب الأسري الذي ﻻ غنى لنا عنه دائما، فالأسرة هي القاعدة التي تبنى عليها حياتنا وحياة أبنائنا مستقبلا *فصلاحها*يمتد أثره لسنين قد تكون غير معلومة العدد وعدم صلاحها*يظهر تأثيره في أول جيل يخرج منها . أما الجانب الصحي فليست هناك أبجديات توفي حقها في الأهمية فوجود الصحة يعني قدرة الإنسان على فعل كل مايريده بإذن الله فالاهتمام بالصحة والمضاعفة منها بحاجة منا إلى وضع أهداف خاصه بها ،ومن الصحي جدا أن نهتم بالجانب الاجتماعي الذي يربطنا بالناس والمجتمع ،فالإنسان لم يخلق ليعيش بمعزل عن الناس لأنه كائن إجتماعي بطبعه وانعزاله بشكل كبير عنهم يعني اضطرابا بهذه الشخصية حيث يلزمها العلاج ،فالمحافظة على حبل العلاقات*الاجتماعية وتغذيتها لتصبح متينة تحتاج منا لأهداف واضحة نرسمها لأجلها. وأهمية الجانب المادي ﻻ تقل أهمية عن كل الجوانب إذ أن الفرد قد يسخر أغلب هذه الجوانب لإحياء الجانب المادي أو قد يستخدم الجانب المادي لدعم جميع الجوانب لديه لذا يستحق هذا الجانب أن نعيره اهتماما ونضعه ضمن أهدافنا . و يحق لك إضافة جوانب أخرى تجدها ضرورية لك كالجانب النفسي مثلا.
عندما نركز على جميع الجوانب ونعطي كلا*منها حقها في الوجود ضمن أهدافنا لنحقق فيها شيئا، فإننا سنشعر بالكثير من التوازن الذي يفتقر إليه غالب الأثرياء مثلا، الذين يصبون جل اهتمامهم في الجانب المادي والمهني والاجتماعي والشخصي ويهملون الجانب الأسري والروحي والصحي وربما العلمي فلا*نجدهم موفقين تماما من ناحية الصحة النفسية ونجدهم برغم وجود كل ماحولهم من مال وجاه مفتقرين للسعادة كافتقار الأب لها في الموقف السابق، لأن باقي الجوانب ستبقى ترن بداخله وتطالبه بحقها مصدرة ضجيجا ﻻ يعلم مصدره هو، فالروح متعطشة والأسرة متفككة والصحة تشكو، وهكذا.
لذا؛ لكي نحقق التوازن في حياتنا يجب علينا أن نعطي جميع جوانب الحياة قدرا من الاهتمام والتركيز .